"أوسلو": مؤيدوها ومعارضوها الذين يتغذون منها

من يستخدم بقايا اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس فقط من توصل للاتفاقية، وأيّدها وانخرط فيها وراهن عليها، بل أيضاً كثيرٌ ممن يعارضها.اضافة اعلان
إنّ معارضة الاتفاقية تحولت إلى رأسمال سياسي، يشكل محور الخطاب السياسي لحركة "حماس"، ولكثير من القوى والأشخاص؛ بقدر ما شكلت الاتفاقية رأس المال البيروقراطي والعملياتي لحركة "فتح".
في مناسبات عدة؛ ندوات ومهرجانات شعبية ومؤتمرات علمية، منذ بدء الهبة الحالية، استمعت لأشخاص يفندون ويهاجمون اتفاقيات أوسلو كما لو كانت وقعت أمس. وحديثهم إمّا منتهي الصلاحية، جرى ترديده كثيرا في الماضي، أو يسقط في خانة الشعارات وعدم تقديم بدائل واستراتيجيات حقيقية، تحدد أهدافاً حقيقية وسبل عمل.
واحد من الأمثلة على ذلك ما قاله قيادي في أحد الفصائل، خلال وقفة تضامنية مع الأسرى، بأن انتفاضة السكاكين مزّقت اتفاقية أوسلو وإلى الأبد. وقوله: "إن جيل الانتفاضة هو جيل النصر والتحرير والتمسك بالثوابت الوطنية"، داعياً السلطة الوطنية إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال والوقوف إلى جانب الانتفاضة وخيار الاستمرار في طريق المقاومة.
المشكلة في ما قاله هذا القيادي ليس مضمون الحديث وما فيه، بل ما ينقصه؛ فهو غير كاف أبداً، وجزء منه غير دقيق، وتحديداً الحديث عن تمزيق "أوسلو". فـ"أوسلو" للأسف موجودة، وتمنع ترتيباتها الأمنية الجغرافية (تقسيم مناطق الاختصاص (أ، ب، ج)) شمولية الانتفاض، وكذلك ترتيباتها الاقتصادية والإدارية. والمطلوب تصور وخطة للتعامل مع كل هذا بشكل بناء.
لقد باتت مشكلة ظاهرة منذ سنوات أنّ القيادة الفلسطينية الرسمية، عندما يأتي الأمر للمقاومة الشعبية بأنواعها، تتحدث عما تعتقد أنّه مقبول وما هو غير مقبول، وما تستحسنه وترفضه. والمشكلة هنا أنّ الشعب ينتظر من قيادته دائماً برنامج عمل يومي، وتوجيهات، وشعارات، ومبادئ عمل، لا أن يقال له بادر وقم بما تريد، ولكن ضمن هذه الشروط أو تلك. وعمليا، عندما يبادر الشعب، ولا تقوم القيادة بتقدم صفوفه وبلورة حركته، والتحول لناطق باسم سواعده الضاربة، ومساعدته على تحويل حراكه إلى مطالب دقيقة ومحددة بتناغم تام بين الحركة الشعبية والقيادة، فإنه يصعب أن تلتزم الحركة الشعبية بأي توجيهات.
الملاحظ الآن أنّ باقي الفصائل تقوم بالموقف ذاته؛ تشجع الانتفاضة وتحض عليها، وتحتفل بها، وبما تصوّره أنه انتصار لمواقفها، وخصوصاً أنها ضد اتفاقية اوسلو، لكن في الواقع هذا لا يكفي، فالمطلوب أكثر من ذلك.
يجدر مديح هذه الفصائل وشكرها أنّها لم تحاول فرض إيقاع قد لا يناسب الانتفاضة، من نوع البدء بمواجهات مسلحة، أو غير هذا. والآن تأتي الخطوة التالية، المطلوبة من كل من يطرح نفسه كقيادة؛ أن يحدد دوره القادم بدقة، من دون -طبعاً- أن يتوقع أن رصيده التاريخي يكفي لتسير الجموع خلفه.
المرحلة الأولى من القيادة، أن تؤمن القيادات والفصائل بأن الشباب سبقوها وقطعوا شوطاً تخلفت هي عنه. وبالتالي، لا بد من السير خلف الشباب، ودعمهم، حتى تصبح هذه القيادات والفصائل مؤهلة لأن تكون شريكة مع الشبان، والجيل الجديد الرافض لمنظومات الماضي من "أوسلو" (مؤيدوها ومعارضوها، ورافضون للانقسام وللسير خلف المنقسمين، والرافضون لمجموعة الأزمات الناشئة المجتمعية والحياتية التي تتحمل كل القوى التقليدية مسؤوليتها (بعد الاحتلال طبعا)).
بعد أن يرى الفاعلون في الميدان أن تلك الفصائل شركاء، يمكن أن تنشأ الحالة الجديدة التي تتزاوج فيها خبرات الماضي النضالي والسياسي والدبلوماسي، بما فيها من رصيد ومن نضج ناجم عن التجربة والخطأ، حتى تظهر معادلات جديدة، تتضمن إعادة هيكلة الحركة الوطنية.
إذا أحسنت الفصائل والقيادات قراءة الواقع، فإنها تدرك أنّ هناك حالة اجتماعية ناهضة فلسطينياً، تلتف حول الشبان. والآن يصطف جنرالات السجون (الأسرى السابقون)، والكوادر السابقة من قيادات الانتفاضات السالفة، وآباء وأمهات الشبان المنتفضين، الأسرى والشهداء والجرحى والناشطين، خلف أبنائهم، ويؤسسون لجانا وأطر عمل إسناد، تغير معادلات كثيرة.   
إنّ ما مزقته حقا الانتفاضة الراهنة هو خريطة قوى العمل السابق. والآن، أي حركة وطنية جديدة تحتاج للأخذ بعين الاعتبار قوى الجيل الجديد، والقوى المهمشة، وتكون الأولوية هي إعطاء هذه القوى وتوجهاتها مكانها في الاستراتيجية الوطنية.