أوقدوا الشموع.. مزّقوا الصمت

ليس أروع مما عبّر عنه صديقنا المبدع عماد حجاج عندما رسم مدفعاً متجهاً إلى حماة يقصفها، مطلقاً عليه "مدفع رمضان". إذ بهذه الطريقة يحتفل النظام السوري بالشهر المبارك. ولعل إحدى اليافطات التي رفعت في درعا خلال المجازر تختزل، أيضاً، المشهد الدامي، وقد كُتب عليها "عفواً، هنا درعا، وليست تل أبيب"!اضافة اعلان
ها قد جاء الحسم الذي تحدّث عنه أتباع النظام السوري، منذ أسابيع، وهو المرحلة التالية لوقف قطار الثورة، وليس لها عنوان سوى "الإبادة البشرية"، أي إطلاق القذاف والرصاص الحي على الناس في بيوتهم وأحيائهم، وقتل أكبر عدد ممكن، لمنع المظاهرات والمسيرات في رمضان.
الحسم العظيم لدى النظام وأتباعه هو دبابات تقصف مدناً، وأمنٌ يطلق الرصاص على الرؤوس ليردي المئات شهداءً، واعتقال أئمة المساجد جميعهم والنساء والأطفال في الأرياف. ليس مهماً ما هي الكلفة الإنسانية الباهظة أو سمعة النظام أو الغضب الدولي، طالما أنّ الهدف حماية رأس "العصابة".
بلا شك، القنابل والرصاص والتعذيب انتقل إلى مرحلة تجاوزت ما يمكن أن يتعارف عليه البشر، وحتى أن يفعله الصهاينة، فهنا المسألة ليست احتلال أرض، بل معركة الحرية والعبودية واحتلال الإنسان نفسه، فهي قضية إبادة وتطهير، بمعنى الكلمة، وسط تهريج من المجتمع الدولي وتواطؤ من النظام الرسمي العربي، الذي لا يخشى على النظام السوري حباً فيه، بل خوفاً من نجاح الثورة واستئناف الموجة الديمقراطية العاتية.
مع ذلك؛ فإنّ المعركة انتهت، عملياً، عندما سقط النظام، رمزياً، وضحّى بكل ما يتحدث به من دعايات سياسية بائسة، وكشف عن وجهه الحقيقي، بأنه مجرد عصابة إجرام تختطف ملايين البشر، وتتعامل مع البلاد بوصفها مزرعة عائلية.
القناع لم يسقط فقط عن هذا النظام الإجرامي، بل حتى عن نفر من قومنا كانوا بيننا يتحدثون عن الديمقراطية والإصلاح والحريات العامة، وإذا بهم وفوداً وضيوفاً على شاشات النظام يباركون القتل والمجازر والتعذيب الهمجي، ويمارسون لعبة التضليل البهلوانية، وكأننا في زمن لا نرى فيه إلا الإعلام الرسمي وما يبثه من سموم وأكاذيب.
ليس هؤلاء فقط من سقطوا، بل نفرٌ آخر يمارس "التقية" في موقفه من المجازر ويختبئ وراء معادلات مؤسفة، يحاول أن يمسك العصا من المنتصف، يتحدث عن إدانة الجرائم الدموية بلغة خجولة من جهة، ويصعّد من خشيته على سورية من المؤامرة من جهة ثانية، ويبدي قلقه من "البعبع الإسلامي" من جهة ثالثة!
نتيجة ذلك في المحصلة؛ "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"! فهو موقف رمادي بامتياز، غير مقبول، لأنّه ينتهي عملياً إلى "تمييع المأساة" والمساواة بين إدعاءات مهترئة وبين قتل الآلاف وجرائم ضد الإنسانية والكرامة والحريات العامة وحقوق الإنسان.
هذه القلة المحدودة صوتها مرتفع، وتحظى بغطاء إعلامي رسمي سوري وتؤثر كثيراً على معنويات الشعب السوري الشقيق في معركة الحياة والحرية، فضلاً عن أنّها تصادر وتشوه موقف الشعب الأردني ضد المجازر والإبادة الجارية.
من أجل ذلك ورداً على المجازر ودعماً بأقل ما نستطيع، فإننا سنقف اليوم العاشرة مساءً وقفة اعتصام أمام السفارة السورية؛ نصلي التراويح؛ ونوقد الشموع، لنمزق الصمت المطبق تجاه الجرائم والمجازر، وهي دعوة لكل الزملاء الإعلاميين والمثقفين والمواطنين الشرفاء أن يشاركوا هذه الحملة الشعبية في هذا الشهر الفضيل، لعله يكون رحمة لإخواننا في الشام ولحظة انفراج لهمومهم وكربتهم، ولنقول كلمة الأردنيين الوفية تجاه الأشقاء.