أولويات الأردنيين

تأتي الصعوبة في إيجاد مقاربة منطقية لسؤال المرحلة عن أولويات الشعب الأردني من نواح متعددة: أهمها الحاجة إلى تحديد إطار زمني واضح للأولويات والأهداف، وإيجاد وسيلة لسبر أولويات الأردنيين، وتمثيل تطلعاتهم والموازنة بينها. فكما هو متعين فإن الطموحات والأهداف يجب أن ترتبط بمدى زمني - قصير ومتوسط وطويل – أو بتشكيل منها، كما أن ضعف تمثيل المكونات الاجتماعية وتشتتها، وندرة دراسات الرأي العام الحديثة والعميقة - من جهة اخرى- لا تسمح بالتنقيب والتفصيل في تطبيق الشعارات والمبادئ الكلية والعناوين التي يتفق الأكثر عليها في العموم. يترافق بحث اصلاح المنظومة السياسية وطنيا بالحاجة لتلمس الرأي العام والمزاج الشعبي، ولا يمكن التعاطي مع المزاج العام دون الانتباه إلى الأثر البليغ لشهور الوباء وما رافقتها من اجراءات واغلاقات وضغط نفسي واقتصادي ونزاعات عمالية، وحالة الهلع وعدم اليقين والمغالطات وما أدى اليه كل ذلك من تأثيرات “خطيرة على الصحة النفسية والعقلية" كما وصفتها منظمة الصحة العالمية، وأجمعت عليها الدراسات الصحية والاجتماعية. فمناقشة الاصلاح تتم ضمن هذه الظروف الاستثنائية. لقد تطلبت إدارة أزمة كوفيد وتبعاتها إجراءات استثنائية عالمية، من إعلان للطوارئ، والعمل تحت أوامر الدفاع، والتدخل الحكومي في الاقتصاد والنشاط الاجتماعي والحريات الشخصية والعامة. فلم تكن هذه البيئة مناسبة لوضع المعايير الاعتيادية للحياة الاجتماعية والسياسية في الظروف الطبيعية، لذلك فقد نجحت الكثير من الأنظمة الشمولية في إدارة الوباء بشكل أحرز نقاطا أكثر في الحفاظ على الأرواح والموارد، وفتح الاسواق والاقتصاد مما حققته الديمقراطيات الحديثة والمجتمعات الحرة. وهذا ليس انحيازًا للأولى بل هو توصيف للحالة الاستثنائية التي ناسبها نظام استثنائي. لا يمكن تحميل الوباء كل عيوب واقعنا وأخطائنا وقصورنا، فالوباء بقدر ما تسبب به من شرور، فقد كان كاشفاً لأوجه القصور، وعوامل الضعف، ومواطن الإمكانيات والقدرات. وكذلك فإن الخروج المرتجى من أجواء الوباء يحتاج إلى تدابير استثنائية واشراف من الدولة وتطبيق نماذج مؤقتة من التدخل في ديناميات الأسواق وحركة المجتمع للإسراع في تحفيز الاقتصاد وشحذ الهمم. لذلك فإننا ننسج تصورات، ونصوغ رؤى تتوجه بشكل أساسي لما بعد الظرف الطارئ وإن كانت لا تستثنيه. إن انتظار ثمار ملموسة وقريبة في مجال التنمية والمعاش والاقتصاد بما يترك أثراً في حياة الفرد من خلال الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي سيكون مجازفة في التفاؤل، ولذلك فإن مطالب الاصلاح يجب أن تكون مفهومة جيداً، ومقصودة لذاتها من الجمهور حتى تكون مقنعة النتائج في المدى القصير، وليبنى عليها بعد ذلك ما يمكن إنجازه من تقدم ورخاء. وهذا لا يعني أنه ليس هناك ما يمكن عمله مطلقاً في المدى المنظور، فإن أي اجراءات وقرارات يمكن أن تساهم في تخفيف الاحتقان، أو ترفع الثقة بين المواطن والمؤسسة وبين أفراد المجتمع ستصب في انجاح هذا المسعى. إلا أنّ المعالجات الكلية، والرؤية الإستراتيجية، والنصوص القانونية ستظل وحدها محدودة الأثر في المدى القصير، وبالتالي فإنها تحتاج إلى بيئة من الثقة والأمل والتفاؤل للعبور إلى ضفة النجاح. إن ما يمكن أن يصنعه الحوار المجتمعي أو يحفزه النقاش العام من أجواء التفاؤل والأمل وانضاج بيئة حاضنة للإصلاحات المأمولة، هو الذي يمكنه أن يخفف الاحتقانات، ويواجه الانقسامات، ويساهم في جمع الموارد وتحفزيها للخروج من الأزمات الطارئة والمزمنة. كما أن توسيع وترشيد الحوار العام والمؤسسي حول مجمل الهم الوطني يمكن أن يحقق اتفاقا على أهم الأولويات المشتركة المحددة والقابلة للتحقيق والمؤيدة من مجمل المجتمع ومن الدولة.اضافة اعلان