أولوية مواجهة البطالة

هتاك مؤشرات اقتصادية وسياسية مستجدة تبعث على القلق في الأردن، منها ما هو محلي ومنها ما هو اقليمي وبعضها له طبيعة عالمية ولها تداعيات اجتماعية-اقتصادية ذات مساس مباشر بواقعنا،  فالناتج المحلي الاجمالي الذي أعلن عنه الاسبوع الماضي من خلال دائرة الاحصاءات العامة بين ان الاقتصاد المحلي لم يحقق مستوى النمو المستهدف وتوقف عند حاجز 2 %. يضاف الى ذلك، الشكوك المتزايدة حول إمكانية تجديد المنحة المالية الخليجية للأردن.اضافة اعلان
 المؤشرات السياسية والاقتصادية الإقليمية تحمل نذرا غير مبشرة لنا في الأردن، فباستثناء فتح معبر طريبيل مع العراق والذي مايزال موضوعه يحمل منغصات ومشاكل، فإن الأوضاع الجيوسياسية  والاقتصادية  في المنطقة غير مريحة في أخف الأوصاف. مصادر صندوق النقد الدولي أشارت مؤخرا الى "ضعف الطلب –عالميا- على العمالة، وزيادة نسبة العمالة المؤقتة، وبالتالي انخفاض الأجور والمزايا الأخرى للعاملين".
ربما تكون مشكلة البطالة في الاردن هي المتأثر الأبرز والأكثر إلحاحا على متخذ القرار محليا في ظل هذه المعطيات، إذا ما استمرت لفترة أطول، فأرقام البطالة التي صدرت قبل عدة أسابيع عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية قدمت نسبا جديدة مرتفعة وغير معتادة لمعدل  البطالة في الاردن، حيث ناهز معدل البطالة
18.2 % مع البدء في تطبيق المنهجية الجديدة في احتساب مؤشرات البطالة، وكذلك اعتماد إطار إحصائي جديد من قبل دائرة الاحصاءات العامة. هذه الأرقام الجديدة قدمت تقديرا أكثر قبولا لحجم المشكلة، والتي يبدو أنها تتفاقم مع ضعف استحداث فرص العمل داخليا، وتأثير ظروف بعض الدول الرئيسية المستضيفة للعمالة الاردنية والإجراءات التي اتخذتها للتعامل مع العمالة الوافدة – ومنها الأردنية- وظروف سوق العمل والتباطؤ الاقتصادي هناك.
هذه المؤشرات تتطلب حلولا عاجلة من الحكومة والمجتمع المدني يضاف اليها أهمية الانتباه الى البعد الاستراتيجي المتمثل في إدراك المتغيرات الجوهرية في سوق العمل والاستجابة لها، والذي عبر عنه الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب الأسبوع الماضي حيث ذكر أن " القدرة على الابتكار ستكون السمة الأساسية والمحددة للقدرة التنافسية العالمية شيئا فشيئا، وستُصبح المواهب أكثر أهمية من رأس المال، وعليه فإن العالم يخرج من عصر الرأسمالية إلى عصر الموهبة".
هناك تغييرات مرصودة في احتياجات سوق العمل، ومن المتوقع ان تكون آثار هذه التغيرات واضحة في الدول المستوردة للعمالة، حيث يكون الاستغناء عن العمالة  الوافدة حاجة اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويقل تأثير المسؤولية الاجتماعية لتشغيل الايدي العاملة.
لذلك فان هناك منظورين للتعامل مع مشكلة البطالة محليا؛ أحدهما عاجل فرضته المتغيرات والظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة، والآخر استراتيجي يتعلق بالتطور التقني ومتطلبات الاقتصاد الحديث، ولأن كليهما ملحّ وحاضر فإن الجهات الحكومية والأهلية (نقابات ومؤسسات تدريب وتعليم وقطاع اقتصادي)  مدعوة – بشكل تشاركي - للمساهمة في مواجهة الظاهرة. الحكومة قامت باتخاذ اجراءات عاجلة –وربما مرتجلة- لمعالجة وضع العمالة الوافدة من خلال التشديد في إجراءات نقل تصاريح العمل من تاجر الى آخر ليعود السؤال المتكرر -كلما اشتدت أزمة البطالة- حول ما إذا كانت الوظائف التي يمارسها العامل الوافد يمكن أن يقبل بها الأردني الباحث عن عمل، وهنا تصعب الإجابة دون معلومات كافية حول المهن الحقيقية التي يمارسها الوافد من جهة، ومؤهلات واستعدادات المتعطلين الأردنيين من جهة أخرى، يضاف الى ذلك إمكانيات القطاع الخاص على تقديم مقابل وظروف عمل يمكن أن يرضى بها العامل الأردني وبما يمكن أن يوفر له حياة كريمة.
المعالجات السابقة أخذت طابعا ارتجاليا ووقتيا، ولم تستمر طويلا، ولا نعرف الآن أين نجحت وأين اخفقت ولماذا توقفت. هناك مبادرات ومشاريع يمكن الإشارة اليها هنا، فنقابة المهندسين لديها برنامج لتدريب المهندسين بقصد التشغيل خاص بالنقابة أعلنت مؤخرا عن تجديده، حيث تدفع النقابة جزءا من الراتب الشهري لكل مهندس يتم تدريبه ضمن البرنامج. وهنالك  مشروع اخر مشابه لتشغيل خريجي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتمويل وإشراف وزارة الاتصالات، وتقوم فكرة المشروعين على أساس أن خريج الجامعات الأردنية في هذه التخصصات سيكون مؤهلا للاستمرار في سوق العمل إذا اجتاز هذا القدر من التدريب والخبرة، ورغم عدم وجود أرقام تدعم هذا التصور، إلا أن المشاهدات تؤيد هذه الرؤية وتشجع على تعميمها على تخصصات وقطاعات أخرى.
المؤسسات الحكومية والخاصة كافة مدعوة لتحمل مسؤولياتها في المواجهة الاستراتيجية الطويلة الأمد والطارئة لظاهرة البطالة، سواء في أولويات التعليم والتدريب، أو في تقديم دراسات ذات مصداقية لمتطلبات سوق العمل محليا وإقليميا، أو المساهمة في تجاوز العتبة التي يحتاجها كثير من الشباب والفتيات للولوج إلى سوق العمل وتحصيل خبرات مطلوبة في سوق العمل.
بعض المهن تحتاج الى قدر معقول من التدريب والخبرة، ويمكن تحصيلها بتكلفة معقولة ولكنها تحتاج إلى خبراء للتدريب وربما معدات وأجهزة وبيئة للتدريب، مثل هذه المهن تحتاج الى تحديد وبالتالي وضع الخطط والبرامج لبناء مهارات ومعرفة لأشغال هذه المهن.