أولياء أمور: غياب بيئة تعليمية وصفية آمنة "ينتهك" حقوق أبنائنا!

figuur-i
figuur-i

منى أبوحمور

عمان- أثارت الحوادث المتتالية التي شهدتها المدارس الحكومية بسبب تردي البنية التحتية والمرافق العامة للمدارس في مختلف محافظات المملكة؛ مخاوف الطلبة وذويهم الذين باتوا يشعرون بقلق وخوف على مصير أبنائهم المجهول.
حادثة سقوط مروحة داخل غرفة صفیة في أحد مدارس أم صیحون بلواء البترا مؤخرا، تسببت بكسر في جمجمة الطالب عبد سالم في الصف السادس الأساسي، مما استدعى تحویله إلى مستشفى الأمیر هاشم في العقبة، لإجراء عملیة جراحیة، خشية حدوث مضاعفات، ما فتح الباب مجددا للحديث عن غياب البيئة التعليمية الآمنة للطلبة الذي ينتهك حق الطلاب في التعليم وتعرض حياتهم للخطر.
هذه الحادثة دفعت المئات من سكان أم صیحون وأولیاء الأمور، للمطالبة بتحسین واقع البنیة التحتیة في مدارس المنطقة، إذ سبقها ايضا سقوط جزء من قصارة سقف في إحدى الغرف الصفية والممر في مدرسة الفيصلية الأساسية للبنين التابعة لمديرية التربية والتعليم للواء الموقر والتي حصلت قبل وصول الطلبة إلى المدرسة.
ما حدث مؤخرا في عدد من المدارس الحكومية من إصابات بسبب انهيار أجزاء من الأبنية المدرسية، وحدوث حالات اختناق خلال حريق نشب في إحدى المدارس والفوضى بالتعامل معه، وتعدد حالات التسمم من تناول الطعام من مقاصف بعض المدارس، تدل مجتمعة على مخاطر تهدد صحة وحياة الأطفال في المدارس وغياب البيئة الآمنة الصديقة للأطفال وفق خبراء ومختصين.
مجموعة من أولياء الأمور شاركوا "الغد" مخاوفهم على مصير أبنائهم الذين من المفترض أنهم يذهبون صباحا ليتعلموا، ليس لأن يكونوا ضحايا غياب رقابي واستهتار بمصائر الطلبة.
خالد والد لثلاثة أولاد في إحدى المدارس الحكومية يقول لـ"الغد" إن "الصفوف والمباني قديمة ويمكن أن تسقط على رؤوس أبنائنا ولا حياة لمن تنادي"، فضلا عن "البرد القارس داخل الصفوف".
وأيدته أم علاء التي أشارت إلى أن الكثير من المدارس شبه منهارة ومرافقها الصحية معدومة، متساءلة، "أين حقوق الطالب؟ أبسطها معدومة، والبيئة التعليمية غير الآمنة تنتهك حق الطفل في التعليم".
وتستغرب من عدم الالتزام بإجراء صيانة مستمرة ودائمة لجميع المدارس بكل المحافظات للحفاظ على صحة الطالب النفسية والجسدية، عدا عن أن الطفل لا يشعر بالانتماء للمكان ولا يتقدم بدراسته حينما تكون مدرسته غير آمنة ومرافقها تثير الخوف بداخله.
وتقول أم عبد الرحمن إن القصص المتتالية عن تعرض الطلبة للخطر والاصابة في بيئة صفية غير آمنة، ومبان ومرافق أصبحت قديمة وغير صالحة، باتت أمرا يثير القلق لدى الأهالي جميعا، مضيفة "إيدنا على قلبنا وما بنتمنى الا انه ولادنا يروحوا على المدرسة سالمين ويرجعوا سالمين".
الإخفاق في توفير البيئة الآمنة للتعليم بحسب الدكتور هاني جهشان المتخصص في حقوق الأطفال، يتعارض مع الحق بالتعليم الوارد في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948 (1) لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يوفر التعليم مجانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية ويكون التعليمُ الابتدائي إلزاميا، (2) يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ويشير جهشان إلى أن الواقع بهذه المدارس ينم عن غياب الإرادة الحقيقية بتوفير البيئة التعليمية الآمنة والصديقة للأطفال وهذا الغياب يتمثل بعدم توفير الميزانية الكافية لإحداث التغيير وغياب التخطيط والرصد والتقييم الدوري، وشيوع البيروقراطية والترهل الإداري وغياب الشفافية بالإدارة ويؤكد جهشان أن على وزارة التربية والتعليم أن تتحمل مسؤوليتها المباشرة نحو جميع مدارس المملكة الحكومية باستراتيجية واضحة قابلة للتنفيذ تقاس وترصد، حيث إن حماية الاطفال هي الأولوية الكبرى، ويتوقع أن يكون هناك أحقية لرصد الأموال لذلك من الميزانية العامة للدولة.

انهيار سقف بأحد المدارس - (ارشيفية)
اضافة اعلان

ويقول "على وزارة التربية والتعليم أن تجري تقييما وتطويرا ورصدا لأداء مديرياتها المتعلقة بصيانة الأبنية والأجهزة والبنية التحتية"، بما في ذلك المهام الرقابية الميدانية على المدارس في كافة أنحاء المملكة، وتجاوز الترهل الإداري بهذه المديريات. ويضيف جهشان على وزارة التربية والتعليم وضع وثيقة معايير قياسية للسلامة في المدارس تضمن الوزارة تنفيذها بتوفير الموارد المالية والبشرية، وبعقود صيانة مستدامة مع مؤسسات أو شركات قادرة على ضمان الاستدامة.
وحول دور المدارس، يشير جهشان إلى مسؤولية المدرسة بتشكيل لجنة أمن وسلامة من أهالي الطلاب والطلاب أنفسهم والمعلمين، تقييم وضع المدرسة ووضع خطة للتنفيذ وتستمر بالمطالبة وكسب التأييد، وتعمل على التواصل مع مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية في المجتمع المحلي لتوفير الخدمات الوقائية والعلاجية للإصابات التي قد تحدث بالمدرسة.
وتلعب البيئة الصفية التعليمية دوراً كبيراً في تعلم وتعليم الطلبة وفق التربوي الدكتور عايش النوايسة بما ينعكس على تحصيلهم الدراسي.
ويقصد النوايسة بالبيئة الصفية مجموعة العوامل المادية والبشرية التي تؤثر في تعلم الطالب ومستوى تحصيله وتشمل المحيط التعليمي القائم على البيئة المادية كمباني الجامعة أو المدرسة، والعوامل البشرية، منها: المعلم أو ناقل العلم، والطالب: المتلقي، إلى جانب المادة الدراسية، ومستوى التفاعل بين الطالب والمعلم، والنتيجة التي تخرج بها حلقات العلم (التغذية الراجعة).
ويؤكد النوايسة بدوره أن المناخ التعليمي يؤسس لمهارات مهمة لدى الطالب، سواء في مراحله التعليمية الأولى في المدرسة، أو مراحله التعليمية الأكثر نضجا واتساعا في الجامعة.
ويلفت نوايسة إلى أن تكامل واتساق العوامل في جوانبها المادية والاجتماعية والنفسية ومع أداء المعلم والمتعلم وقدراته وحاجاته واهتماماته، ينعكس ايجابيا على اداء الطلبة وتحصيلهم، والعكس صحيح.
ويشير النوايسة إلى أن البيئة المدرسية لا تتواكب جميعها مع أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في تعلم الطلبة والانتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الرقمي وذلك من خلال المدرسة، التي تُعقد عليها الآمال الواسعة لبناء مجتمع المعلوماتية كطريق للوصول إلى مجتمع المعرفة، حيث تُبذل في الوقت الراهن جهود مكثفة في العالم العربي للاهتمام بتكنولوجيا المعلومات، لتصبح مكونا أساسيا في عمليات التنمية العربية الشاملة.
جهشان يؤكد على ضرورة تدريب المعلمين والإداريين وموظفي الأمن، بورشات عمل متخصصة، تتعلق بالمخاطر التي قد تهدد سلامة الطلاب، وأيضا على إجراء الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الصدري وتوعية العاملين بوظيفة حاجب أو بواب بأساسيات التعامل مع الأطفال وحمايتهم من المخاطر. إلى ذلك، فإن هناك دورا رقابيا للدفاع المدني وفق جهشان لا يقتصر على الترخيص الأولي لسلامة البنية التحتية، بل يتوقع أن تكون هناك رقابة دورية على مرافق المدرسة.
ويؤكد بدوره على تفعيل دور الصحة المدرسية، بتواجد العامل الصحي إن كان طبيبا أو ممرضة بشكل مستمر بالمدرسة، وهذا للأسف في الأردن غائب عن اغلب المدراس الحكومية ويقتصر على التطعيم وزيارات غير فاعلة من قبل العاملين بالمراكز الصحية للمدارس، كما وان هناك دورا وقائيا للصحة المدرسية بالرقابة على المخاطر يوازي بل يفوق دورها في الاستجابة للحوادث والإصابات، بالإضافة لدورها في تثقيف الطلاب بمهارات الشخصية المتعلقة بالصحة والسلامة العامة.