أوهن البيوت

 

ثمة الكثير من الطرائف والأقوال والنكات اللاذعة التي تستهدف مؤسسة الزواج، لعل أكثرها طرافة تلك الأحجية التي تطرح سؤالا حول أهم أسباب الطلاق، ويكون الجواب أن أهم أسباب الطلاق هو الزواج بحد ذاته!

اضافة اعلان

وقد يستدعي الحال تذكر طرائف أخرى في هجاء الزواج وشؤونه، وفي تداعيات التوق إلى التحرر من براثنه، وهي أكثر من أن تحصى في موروث الثقافات الإنسانية شرقا وغربا.

وتحفل ثقافتنا السائدة بالعديد من الحكايات والأغاني والنكات بحق المتزوجين، وعادة ما يتندر العزاب على حال الصديق المتزوج، وينظر إليه بعين الرثاء كسجين مؤبد، يظل الأمر مضحكا في هذا السياق، غير أن مقدار الكوميديا سوف يتضاءل حكما إزاء قصص الطلاق ذات الطابع المأساوي التي تجري على أرض الواقع.

وفي تقرير أعده لقناة العربية الزميل سعد السيلاوي عن واقع الطلاق في الأردن، أفاد بأن حالات الطلاق في الأردن بلغت 14 ألف حالة طلاق، وهو رقم مروع من دون أدنى شك، نظرا لما ينجم عنه من خراب بيوت وانهيار علاقات عائلية وتشريد أطفال، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية الخطيرة.

وضمن التقرير نفسه، وفي حوارات مع نساء ورجال مطلقين، قالت سيدة إن سبب طلاقها هو التفاوت في المستوى العلمي بينها وبين طليقها، ما جعل التفاهم بينهما غير وارد، وقال رجل إن سبب الطلاق في حالته مرتبط بتبذير مطلقته الذي عانى منه الكثير، وأشار إلى أنها لم تتفهم وضعه المادي المحدود، وكانت دائمة التطلب مما أرهقه ماديا ونفسيا ولم يكن أمامه سوى حل الطلاق كي ينجو بجلده.

كما تحدث دكتور علم الاجتماع سري ناصر عن الوضع الاقتصادي ومدى ارتباطه باستقرار الأسرة الأردنية، وعزا انتشار ظاهرة الطلاق إلى الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، وقيل في سياق التقرير إن ما يقارب نصف حالات الطلاق تتم بعد أشهر من عقد القران، وقبل الانتقال إلى بيت الزوجية.

في أغلب الحالات، وبعد الشروع في التعارف بين الشركاء عن قرب، يبدو الجميع متفاجئا من طباع ومزاج الآخر، ما يقودنا إلى الاستنتاج بأن معظم الزيجات في مجتمعنا تحدث للأسباب الخطأ، لا سيما تلك الزيجات التقليدية التي يتم ترتيبها من خلال الأهل، أو التي يندفع إليها الشباب لأسباب شكلية مرتبطة بمقاييس الجمال، وتقدم عليها الصبايا لأسباب مادية سعيا إلى مزيد من الرفاهية.

وحيث إننا مجتمع مسكون بالمظاهر، وثمة الكثير من الادعاء والفخفخة في نمط حياتنا، فإن الخيبة والخذلان هما نتيجة طبيعية لعلاقات إنسانية شوهاء.

ستظل معظم أشكال العلاقات الإنسانية في مجتمعنا، سواء كانت علاقات حب أو صداقة أو زمالة، قابلة للبطلان نظرا إلى الأسباب التي بنيت عليها، وهي قطعا أكثر وهناً من بيت العنكبوت.

من هنا يبدو من باب أولى أن نطرح أسئلة جوهرية حول أسباب الزواج من أصلها، ولنتذكر دائما معاناة الأطفال كنتاج مباشر لقرار الزواج، باعتبار أنهم وحدهم ضحايا سوء التقدير والقرارات المندفعة، ينشأون في أجواء أسر محطمة منزوعة الدفء الأسري المفترض بحكم الطبيعة، لا تقدم لهم بالنتيجة سوى الشقاء، ويحرمون من العيش مع أحد الوالدين وأحيانا من كليهما، وفي أحوال عديدة قد يحظى الطفل بمشاهدة أحد والديه في المخافر وتحت إشراف أمني غير مفهوم بالنسبة له، ما يساهم في خلق أجيال من الأطفال المحرومين من أبسط حقوقهم في الأمان والاستقرار النفسي..، وهنا بالضبط تكمن المأساة.