أيكون الضرب وسيلة للتربية؟

سائد كراجة خرج العرب من وطأة الحكم العثماني العنصري بحلم تأسيس دول عربية ديمقراطية عصرية فنص دستور سورية الكبرى لعام 1920 في المادة الأولى منه “إن حكومة المملكة السورية العربية حكومة ملكية مدنية نيابية..”، وقد تبنى هذا الدستور مفهوم الدولة المدنية التي هي دولة سيادة القانون والمواطنة وتكافؤ الفرص وحقوق وحريات المواطنين الفردية والجماعية ومنها المساواة وحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب والمشاركة في النشاط السياسي والاقتصادي وسلامة الأفراد وتجريم التعذيب والاعتقال التعسفي، كما نص على الحرية الدينية ونشر المطبوعات ومنع النفي والعقاب دون محاكمة، وهي تماثل الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور الأردني لعام 1952. وقد قام حلم الدولة “الكبرى” على التعليم، تعليم وطني يؤمن بتكافؤ الفرص ويردم الهوة بين الناس ويؤسس لاندماج اجتماعي، لا يقدس الفقر ويؤمن بحق كل مجتهد بالخروج منه، فنصت المادة العشرون من ذات الدستور “يجب أن يكون أساس التعليم والتربية في المدارس الرسمية والخصوصية واحدا على أساس المبادئ الوطنية في جميع المقاطعات السورية”. قيم دستور سورية الكبرى التقدمية الديمقراطية المدنية، استمدت من إرادة الشعوب العربية في الأردن وسورية ولبنان والعراق وفلسطين اليوم، التي أعلنت عنها بموجب إعلان استقلال سورية الذي صدر في ذات العام 1920 وهو بمثابة العقد الاجتماعي وشروط الشعب في ذلك العقد وهي شروط دولة مدنية تقدمية دستورية، التي تُرجمت في نصوص دستور “ مدني عصري “ ملكي حيث دين الملك الإسلام واللغة العربية لغتها الرسمية. هذه المبادئ لم تكن إملاء من أحد ولا كانت رغبة ولا أجندة استعمارية بل إنها تمثل توق الشعوب العربية ومنها الشعب الأردني بكافة مكوناته وتشكيلاته الاجتماعية والطبيعية من عشائر ومدن وفلاحين وتجار وقادة رأي مسلمين ومسيحيين وهو التعبير الحقيقي على أن هذه الشعوب وهي تحترم تاريخها ونسيجها الاجتماعي والاقتصادي سعت نحو مفهوم الدولة العصرية المدنية الديمقراطية حيث سيادة القانون على الجميع وحيث المواطنة هي الرابطة القانونية العادلة التي تنظم علاقة المواطنين بأنفسهم كما تنظم علاقتهم بالدولة. علينا أن نتذكر دائما أن تحقيق الدولة العصرية الديمقراطية المدنية مرتبط ومربوط بالانفكاك عن الاعتماد “على رابطة الدول الاستعمارية”، قد يبدو أن هذا السرد ينتمي لجيل الخمسينيات والستينيات ولكنه سرد يثبت أهميته وضرورته للدول العربية لاستعادة مشاركة شعوبها – وشبابها على وجه الخصوص – في العمل الإصلاحي الوطني، هذا من جانب ومن جانب آخر علينا أن نتذكر بأن مشروع التحضر والعصرية والدولة المدنية الدستورية الديمقراطية هو مشروع شعبي عربي أصيل وليس مشروعا مستوردا، وقد جرى استبداله بمشروع دول الفتوى وأحزاب القالب الواحد والذهن الواحد والشكل الواحد الذي يناقض التنوع الإنساني والحضاري والطبيعي ويناقض حتى القانون الإلهي “ولا يزالون مختلفين”، الحقيقة تكمن في التنوع وقبوله باعتباره أساس الحكم المدني وفي قبول قيم المجتمع التي يبنيها التعليم الحر المتنور وليست أحزاب الإقصاء الاجتماعي والسياسي والعقائدي. تذكرت دستور العرب الأول وأنا أستمع لشيخ عشائري يدافع عن سيادة القانون، ونائب – مع احترامي لشخصه الكريم – يدافع عن الضرب كوسيلة لبناء قادة المجتمع!، تذكرت هذا الدستور لأقول أن مكونات المجتمع العربي وأهمها أغلب أبناء العشائر هي أقرب لحمل مشروع دولة مدنية عصرية، وأن نكبتنا إلى جانب العدوان الاستعماري المستمر على الدولة المدنية العربية هو التيار الإقصائي الذي عمل على قتل التنوع والرأي الآخر وهدم التعليم وقيم الديمقراطية والمدنية في المجتمع. الضرب ليس وسيلة للتربية، والتعليم جسر الاندماج الاجتماعي والدولة المدنية دولة سيادة القانون والمواطنة هي طريقنا لمستقبل يجعل العلم والاحترام وقبول الآخر والتنوع وأن الضرب ليس وسيلة لصناعة قادة الرأي وصناع القرار والمستقبل، يا ريت تفهم علي جنابك! المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان