أين اختفى العقل؟

كوبي نيف- (معاريف)

صباح مساء، مع خروج الجنرالات والادميرالات ووكلاء المخابرات والموساد الكبار، الى الحياة المدنية، ممن لم يقودوا ويديروا فقط اذرع امن هائلة، بل عُرضوا بصفتهم "قادة لامعين" يظهرون كمهرجين يثرثرون بكليشيهات في افضل الاحوال ويهذرون بالهراء في اسوأ الحالات. اناس ما كنت لأعطيهم ان يقودوا ليس فقط سلاحا او جناحا او شعبة، بل إني أشك في أن اسمح لهم بان يقودوا حذاء او حتى بابوجا.

اضافة اعلان

إذن كيف يحصل هذا؟ كيف نجح مثل هؤلاء الاشخاص في الوصول الى القيادة في اعلى صفوف اذرع الأمن المختلفة، وعن دورهم قيل في اثناء خدمتهم بأنهم ذوو عقول لامعة ومذهلة وقدرة قيادة استثنائية لا مثيل لها؟ كيف يمكن لهذا ان يحصل؟ انت تسأل نفسك، حيال الضابط الكبير الذي ينزع بزته ويبسط في مقابلة تلفزيونية هازئة جملة هذيانه السطحي، كيف يمكن لهذا ان يحصل؟ إذ انه حتى الهزء الجديد هذا قالوا انه عبقري التفكير جريء التعبير وها هو ايضا، تقريبا مثل كل اسلافه الكبار، يبيع هراءً كأنه اخترع لتوه الدولاب.

اين الخطأ هنا؟ حتى الآن قالوا لنا انه لا يوجد هنا اي خطأ بل يدور الحديث عن فارق بين العقائد المختلفة. بمعنى، أن المزايا المطلوبة من قائد في مبنى ذي مراتبية مغلقة مثل الجيش تختلف تماما عن المزايا المطلوبة من زعيم في مبنى ديمقراطي مفتوح في الاطار المدني. وعليه فإن قسما من قادة الجيش ممن اعتادوا على مدى عشرات السنين المبنى العسكري يجدون صعوبة في التكيف مع المبنى المدني.

يحتمل أن يكون هناك فارق، ويحتمل ان يكون من الصعب التكيف. ولكن هل يحتمل ان يكون الفارق بين الجيش والحالة المدنية حول ما ينبغي فعله من اجل النجاح؟ في الحالة المدنية هناك نوع من الحكمة، بينما يتطلب النجاح في الجيش نوعا من انعدام الحكمة. أيحتمل أمر كهذا؟ ام ربما، وهذا الجواب ايضا يعرض احيانا، انه في اللحظة التي ينزع فيها هؤلاء الكبار بزاتهم ويبدأون بتنفس الهواء النقي للحالة المدنية، يحدث عندهم نوع من النوبة الطبية المفاجئة، بمثابة "نوبة دماغية"، واذا بكل او على الاقل جزء مهم مما كان بارعا فيه في الجيش، يُشطب بضربة واحدة وكأنه لم يكن، ولهذا فإنهم يصبحون في الحالة المدنية مجرد، واعذروني، تنابل عاديين.

ويحتمل ان يكون لهذا اللغز حل آخر، مقلق ومزعج، وهو أنهم بالضبط هكذا حتى عندما كانوا في البزات، وانه تحت غطاء السرية المقدسة التي تلفهم، يُنبت لنا في اذرع الأمن المرة تلو الاخرى قادة، اذا قلنا ذلك بأخف التعابير، ليسوا ناجحين جدا.

لعله من المجدي بالتالي ان يتم اخراج فحص القادة الكبار في اذرع الأمن من ايدي الضباط الكبار أنفسهم، الذين يختارون كبارا مثلهم، وينقل هذا الفحص الى رقابة مدنية ما، لإعفائنا من هذا العجب الكبير للغياب المفاجئ للعقل.