أين الأردن في علاقاته مع العرب؟

ماهر أبو طير

الذي يحلل اتصالات الأردن الخارجية، على مستويات مختلفة، يجد أغلبها غير عربي هذه الأيام، وتتركز على الغربيين ودول أخرى، في سياقات مختلفة.اضافة اعلان
سواء في صفقة القرن، أو ضم الضفة الغربية، أو طلب المساعدات والقروض، أو تنسيق المواقف وغير ذلك، والواضح أن الأردن هنا، يتأثر مثل غيره بما يتعرض له النظام الرسمي العربي، من ضغوطات على مستويات مختلفة، خصوصا، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
لم يكن النظام الرسمي العربي، أفضل من هذه الأيام، قبل شهر آذار، لكن أزمة كورونا، وتقطيع العالم العربي إلى جزر معزولة لاعتبارات صحية، إضافة إلى التغيرات الأمنية والعسكرية في دول كثيرة مثل سورية وليبيا، والأضرار الاقتصادية في أغلب الدول العربية، وغير ذلك من عوامل، زاد من الضغط السياسي الشديد على المنظومة الرسمية العربية، وجعل كل دولة منشغلة بذاتها، خصوصا، في ظل تعثر الاتصالات بشكلها التقليدي، وهي اتصالات لم تكن مثمرة تماما، لكنها أفضل من هذه الحالة التي نراها في العالم العربي.
أين هو الأردن اليوم، في ظل النظام الرسمي العربي الحالي، وهو ذات السؤال الذي قد يصح توجيهه إلى أغلب الدول العربية، التي تخضع لضغوطات سياسية واقتصادية وأمنية وصحية؟ وهل يمكن أن يبقى الأردن ذاته دون إعادة تموضع في العلاقات الأردنية العربية، أم أنه أيضا يدفع كلفة التغيرات في الإقليم والعالم، فوق ضغوطات دول إقليمية كبرى مثل تركيا وإيران على المنطقة، وما يمكن توقعه من جانب إسرائيل أيضا خلال الأشهر القليلة المقبلة؟
شبكة الحماية في المنطقة للأردن مهمة جدا، خصوصا، في ظل ملفات ثنائية، وملفات عامة، وقد يرد سياسيون بالقول إن تحول أغلب الدول العربية إلى جزر معزولة وضعيفة، قد يكون حالة عامة تشمل الكل، وهذا أمر خطير بحق، خصوصا، في ظل عدم توقف أطراف كثيرة في المنطقة والعالم، عن مخططاتها في المنطقة، فيما تتشاغل الدول العربية بشؤونها أو أزماتها أو حروبها أو صراعاتها الداخلية، أو انهياراتها الاقتصادية كما يجري في لبنان.
وكأنك بلا حلفاء عرب، هذه الأيام، وهذا كلام ينطبق على توصيف أغلب الدول العربية، وليس الأردن وحسب، كون خريطة الإقليم تعرضت أساسا إلى تغيرات كبرى خلال العشر السنين الأخيرة، لكن العام 2020، كان مختلفا، ومن المتوقع أن يأخذنا في المنطقة إلى مزيد من الهشاشة والضعف، ومواجهة الأزمات، وبعضها أزمات مؤجلة، مثل الأزمة مع إيران، وهي سرعان ما سوف تعود، خلال الشهور القليلة المقبلة، ومعها الاشتباك التركي في سورية وليبيا، وما تستفيد منه إسرائيل بهذه المرحلة لفرض توجهاتها في ظل هشاشة عزّ نظيرها.
علينا أن نلاحظ أن الحد الأدنى من الاتصالات السياسية العربية، غير قائم، وكأن الدول العربية أغلقت على نفسها، وانشغلت بشؤونها، خصوصا، مع وطأة وباء كورونا والوضع الاقتصادي، لكن القصة هنا، غير قابلة للتبرير، من حيث قبول الكلفة الإستراتيجية، لهذا الوهن العربي الكبير، ومن اشتقاقات هذه الحالة لا يجد الأردن إلا شبكة اتصالاته الغربية عوضا عن العربية في وجه الإسرائيليين، ولا يجد الفلسطينيون أيضا إلا ذات الشبكة العالمية، ولا تقرأ معلومة واحدة، عن تحرك عربي جماعي في وجه إسرائيل، ولا حتى عن تحرك عربي من أجل إنقاذ المنطقة اقتصاديا، من تداعيات وباء كورونا، على سبيل المثال، وليس الحصر.
النظام الرسمي العربي في أصعب حالاته، خصوصا، أننا قبل آذار 2020، وصلنا إلى مرحلة خطيرة من الضعف والصراعات والانقسامات، لكننا اكتشفنا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أن هذه الحدة تعمّقت، وأنه وباستثناء علاقات أردنية مع بعض الدول العربية، نكاد نكون فرادى، ولربما للمفارقة هذا حال كل دولة عربية مع بقية شقيقاتها.
مهمة إنعاش النظام الرسمي العربي، في وجه الأزمات السياسية والاقتصادية، ليست مهمة أردنية حصرا، لكنها تبدو مهمة الأردن من باب مصالحه، وهذا يفرض خطة جديدة من أجل إعادة تموضع الأردن في علاقاته العربية، وعدم الاستسلام لهذا الواقع الذي استجد، خصوصا، أن فواتير الصيف والخريف ستكون كبيرة جدا على كل المنطقة، ومن حقنا أن نحضّ الأردن، على تجديد علاقاته العربية، وعدم الركون إلى حالة الجمود العربي الحالية.