أين المسيرات العربية؟

يقترح الكثير من المعلقين أن حروب المستقبل ستكون حروب طائرات من دون طيار (مسيّرات). وقد ظهرت أهمية هذه القطع الحربية بوضوح في الكثير من الصراعات الأخيرة: الحرب في اليمن، وحرب أرمينيا وأذربيجان، والحرب الجارية الآن في أوكرانيا، من بين أخريات. وتستطيع هذه الآلات الطائرة غير المأهولة أن تغير موازين القوة في ميدان المعركة وأن تحسم المعارك في كثير من الأحيان. مثل كل شيء آخر، تتخلف الدول العربية في امتلاك هذه الأسلحة التي أصبحت أساسية، ناهيك عن محاولة تصنيعها. وعند إحدى النقاط، قد يأمل المواطن العربي في ألا يمتلك بلده هذه الأجهزة، لأنها ستستخدمها غالبًا في شؤون محلية ربما يكون أولها تصوير الناشطين في الاحتجاجات تمهيداً لاعتقالهم. وتستخدم بعض الدول المسيرات في مطاردة وتصفية المعارضين إذا لزم الأمر. وأشهر هذه الدول الولايات المتحدة التي تشن حربًا بلا هوادة بالمسيرات لتصفية معارضيها في أفغانستان وباكستان واليمن وغيرها من الأماكن. كما يستخدم الكيان الصهيوني المسيّرات لاغتيال الناشطين الفلسطينيين ولقصف وهدم المباني، والمراقبة والتعقب. مع ذلك، سيريد كل مواطن عربي أن تواكب القوة العسكرية العربية التطورات في العالم، عل وعسى أن يأتي يوم يأتي فيه من يستخدم الأسلحة ضد الأعداء الحقيقيين، ولحماية استقلال وكرامة الإنسان العربي المهدورَين. ولا ينبغي أن يكون العرب دائمًا في موضع الأرض الخفيضة التي يسهل على قوى الإقليم والقوى الأبعد النظر إليها من علٍ ودوسها غب الطلب. ونحن نقرأ ونسمع عن الدول الكثيرة التي شرعت في تطوير ترساناتها من الطائرات المسيرة في كل مكان، وفي إقليمنا بشكل خاص. وفي حين يمتلك العرب جميعاً بضع مسيرات بائسة مشتراة بعد أن يجردها بائعوها من الأجهزة المؤثرة. وثمة حديث خجول فقط هنا وهناك عن نية بعض العرب الاتجاه إلى تصنيع هذه الطائرات. في المقابل، تنتج كل قوى الإقليم المنافسة، من إيران إلى تركيا والكيان الصهيوني، طائرات مسيرة عالية التقنية لمختلف الأغراض، وبكميات تجارية. وحتى الكيانات من غير الدول، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وبعض الميليشيات العراقية، مسيّراتها الخاصة. كما استخدم «داعش» المسيرات في المراقبة والاستطلاع والقصف والهجمات الانتحارية في سورية والعراق. ومن المعروف أن تطوير هذه الأسلحة الضرورية ليس معجزة إلى حد قيام الدول العربية الراغبة باستجدائها بشروط الموردين، وبأثمان عالية من المال والإرادة. المسيرات في الأصل لُعب، يمكن شراء نماذج مبسطة منها من على رفوف المحلات. وحتى هذه الألعاب الموجودة في السوق يمكن أن تحمل كاميرات للتصوير والمراقبة، أو تحميلها عند اللزوم بشحنات متفجرة صغيرة. وفي دولة مثل إيران، تقيم الدولة مسابقات لطلبة المدارس لتصنيع مسيرات صغيرة بجهودهم الذاتية. ومن غير المعقول أن لا يكون في العالم العربي كله أشخاص قادرون على تصنيع هذه الأجهزة في مرآب المنزل، ناهيك عن تزويدهم بالرعاية الرسمية وتوفير ما يلزم ليقوموا بتطوير طائرات مسيرة فعالة لا تقل شأنًا عما يباع علينا –إذا بيع أصلاً بلا شروط. لكنّ المعروف أن الذي يحاول صنع مسيرة في مرآبه سيحاسب بشدة، باعتباره تهديدًا للأمن الوطني ومشروع إرهابي ومخرِّب. وإذا حمل مخططاته إلى جهة في دولته، فقد يحاسب على مجرد نية تصنيع أسلحة والتفكير في ذلك. وإذا اقتنع مسؤول بالفكرة، فإن سياسات غريبة مألوفة ستُعدم المشروع، على اعتبار أن المهيمن الخارجي لا يسمح للعرب بتصنيع أسلحتهم وسيعاقبهم على المحاولة –يشهد على ذلك تدمير مشاريع تصنيع الأسلحة السورية والعراقية، بذريعة تصنيع أسلحة دمار شامل. وسوف تجد الأنظمة المشروطة بإرادة الخارج أن محاولاتها تصنيع أسلحتها سيعرضها حتمًا للسخط والمقاطعة والحرب، وربما الإسقاط. وفي الوقت نفسه، تعطي الدول القوية وفراخها، مثل الكيان الصهيوني، لنفسها الحق في تصنيع كل شيء، وأوله أسلحة الدمار الشامل. نعرف أننا ننفخ في نفس القربة المثقوبة حين نقترح أي شيء لتعزيز الأمن القومي العربي بجهود العرب وأموالهم الخاصة في عالم يعمل فيه كل لتأمين نفسه بوسائله. لكنها أسئلة. مجرد أسئلة لا نملك إلا أن نطرحها ونحن نرى دول وسط آسيا الصغيرة، والمنافسين الإقليميين، وكل طامح إلى ممارسة السيادة الوطنية، وهم يطورون قدراتهم الدفاعية في السر والعلن، بينما تذهب أموالنا إلى المجمعات الصناعية العسكرية الشرهة، ويدرج أمننا وإراداتنا الوطنية في صفقات الحماية وشراء السلاح. المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان