أين ذهب "مشروعُ النهضة"؟

أحدَ عشرَ شهرًا مرتْ على إطلاق رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز "مشروعَ النهضة الوطنية"، والذي تضمن أولويات الحكومة خلال العامين المقبلين. الخط الأساسي العريض لهذا المشروع جاء تحت عنوان "تحسين حياة المواطن الأردني"، وتحسين أداء الاقتصاد الوطني. فهل حقق "المشروع" شيئا في هذا السياق؟!اضافة اعلان
أيّ أردني، مهما بلغت درجة ثقافته، يدرك أنه ما من شيء تحسّن في أحوال الناس ولا في اقتصاد البلد، ولا نريد أن نزيدَ من التشاؤم أو ندخلَ في السلبية؛ فنقول إنه ما من مؤشرات حتى اللحظة على أن بارقةَ أمل تلوح بالأفق.
الحكومة، ومنذ ذلك الوقت، دخلت في دوامات عديدة سحبتها إلى قاع البحر، وأشغلت نفسها عن تحقيق ما تعهّدت به، فلم تستهدفْ، كما قالت، كل أردني وأردنية، فطاقات المواطنين لم توظف لغاية الآن، خصوصًا الشباب، وما تزال محبوسة في صدورهم، والفقراء الذين وعدنا بحمايتهم حفاظا على كرامتهم، يزداد عددهم يوما بعد يوم، فقد أنهكتهم الضرائب وارتفاع كلف المعيشة، وغياب المشاريع المنتجة المشغلة لهم. أما البطالة فهي تسجل أرقاما تاريخية غير مسبوقة، وتزداد نسبتها تباعا.
الطبقة الوسطى التي تعهّد الرئيس الرزاز بأن حكومته ستعمل على تحصينها، تتلقى الضربات تباعا، ويسحبها الوضع الاقتصادي الصعب نحو الأسفل باتجاه الطبقات الفقيرة. وعلاقة الحكومة بالقطاع الخاص تراوح مكانها رغم محاولات الانفتاح، وحتى اليوم لم نستطعْ تحفيز الإنتاج، ولا كنّا قادرين على استقطاب استثمارات جديدة، بل على العكس من ذلك فقد خسرنا استثمارات كانت قائمة، وخسرنا معها مئات فرص العمل، بدلا من أن نعملَ على توليد فرصٍ جديدة.
فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، قال الرزاز إنه سيتم زيادة حجمه المباشر بنسبة 10 %، وبحسب تقرير صادر عن البنك المركزي فقد تراجع صافي الاستثمار المباشر المتدفق إلى السوق الأردنية بنحو 7 % على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2019، وما يزال الأردنيون بانتظار تأسيس شركة قابضة يتاح فيها المساهمة للأردنيين والمغتربين.
الحكومة في إعلانها بتاريخ 20 /11 /2018 تحدثت عن وضع برنامج زمني ومؤشرات أداء قابلة للقياس بخصوص خطتها، وبعد هذه الأشهر فمن المناسب أن تخرج بمؤتمر صحفي تكشف من خلاله مدى التزامها بتعهداتها: أين أنجزت، وبماذا أخفقت، وهل يتواءم ذلك مع البرنامج الزمني الموضوع لهذه الغاية؟
بعد كل هذه الأشهر تترسخ قاعدة أن "خطة النهضة" لم تكن سوى شعارات رفعتها الحكومة لمواجهة أزمة الثقة مع الشارع، وإن عمدت إلى تطبيق بعض مفاصلها كبرنامج خدمة وطن وتطوير منظومته لاحقا، إلا أن ذلك لم يكن كافيا أمام باقي العناوين التي تضمنتها الخطة، وعلى رأسها دولة القانون (تتأتى من الإصلاح السياسي ومن الحريات وتطبيق القانون)، ودولة الإنتاج (توظيف الموارد المالية والطبيعية والبشرية لرفعة مستوى معيشة المواطن وتعزيز مبدأ الاعتماد على الذات)، ودولة التكافل (حماية المواطن من الفقر وتقديم خدمات الصحة والتعليم والنقل)، وهي محاور رأت الحكومة أنها تكرّس مفهوم دولة الإنسان.
خطة النهضة باتت في مهب الريح مع انشغال الحكومة في ملفات مستجدة، كان على رأسها الأزمة مع المعلمين التي أرهقت البلد مدة 30 يوما، والأولويات التي ترتبط بمؤشرات واضحة وقابلة للقياس تسبح في بحر لُجِّيّ، إذ يبدو أن الفريق الوزاري بكافة أطيافه عاد إلى نقطة الصفر من جديد، وفي ذلك مضيعة للجهد والوقت وهما عنصران لا يمكن تداركهما أو تعويضهما.