أي تعايش مع "كوفيد"..؟!

علاء الدين أبو زينة عندما كان “كوفيد19” في أوَّله، ومع خبرة منع التجول والحظر الشامل، كنا نفكر في الحل الوحيد والبعيد آنذاك؛ اكتشاف لقاح للوقاية – والأصعب حصولنا عليه. وقد اكتُشفت لقاحات، ووصلت إلينا أسرع مما حلمنا بأن تفعل. لكن الوباء لم يقترب من الانتهاء. وقد تحدث بعض أصحاب البصيرة منذ بعض الوقت عن “التعايش مع كوفيد”، بمعنى القبول بأنه هنا ليبقى – في المدى المنظور على الأقل- وينبغي التكيف مع وجوده. ولكن، ما التعايش مع “كوفيد”؟ إنه القبول بالقيود على السفر التي تُشدد أو تُخفف حسب مزاج الفيروس وهجماته ومتغيراته. وهو توقع الإصابة في أي وقت، سواء تلقى المرء المطاعيم أو أصيب بالمرض في السابق أم لا. وهو القبول بأعداد إضافية من الوفيات جراء مرض جديد ينضم إلى الأمراض المميتة الأخرى. وهو – في الحالة المثالية- إضافة قطعة “ملابس” جديدة يومية هي قناع الوجه. وهو محاولة تجنب التجمعات، سواء كانت أفراحاً أو أتراحاً أو مناسبات ثقافية أو رياضية أو فنية. وهو حمل وثيقة جديدة ربما أهم من الهوية وجواز السفر: بطاقة اللقاحات لتطبيعك في العالم وتأمين حركتك فيه. من مشاهدة ما يحدث في العالم والوطن، يتولّد انطباع بأن إصابة الجميع بـ”كوفيد” هي مسألة وقت فقط، مهما اجتهد المرء في الوقاية. بعد أن كنا لا نعرف في وقت سابق، في أسوأ فترات التفشي كما اعتقدنا، مصاباً من العائلة أو الجيران أو الزملاء، أصبح معظمنا يعرف أكثر من واحد أصيب أو رحل عن الدنيا بسبب “كوفيد”. وحتى نجوم الرياضة العالميين، الذين هم ثروات لأنفسهم وأنديتهم والذين تصورنا أنهم الأكثر بُعداً عن الإصابة بسبب شدة الإجراءات وكثرة الفحوصات واللقاحات، يصابون الآن بالعشرات حتى لا يكاد ينجو منهم أحد. وربما أصيب الكثيرون منا دون أن يعرفوا ولم تظهر عليهم أعراض، وأفلتوا بالحظ أو مناعة الجسم، لكنهم ما يزالون ينتظرون الإصابة. بالإجمال، يبدو أن التعايش مع “كوفيد” يعني أن الكل سيصابون به، مثلما يُصابون حتماً بالإنفلونزا ونزلات البرد. لكنّ الفارق هو أن هذا المرض يمكن كثيراً أن يُرسل صاحبه إلى العناية المركزة وأعتاب الموت التي قد يعود منها أو يعبرها. كما أن الإصابة يمكن كثيراً أن تُلحق ضرراً مطوّلاً أو دائماً بأجهزة الجسم الحيوية؛ الجهاز التنفسي، القلب، الكلى، أو تركيز الذهن، والكثير من أعراض “متلازمة كوفيد الطويل”. يعني “التعايش” أيضاً توقع قدوم متغيرات فيروسية لا ينفع معها اللقاح، أو حتى أكثر قتلاً بحيث ترتفع نسبة الموتى من المصابين. ويعني أيضاً احتمال أن تتسبب موجة من متغير غادر في أي وقت بإرهاق المستشفيات والأجهزة الطبية، والاضطرار مرة أخرى إلى اختيار مَن تُمنح له فرصة الحياة ومَن يُترك للموت. ومع كل ذلك، يجب أن تتكيف الاقتصادات والأعمال وأجندات السفر والتجارة والوظائف. من المؤكد أن هذا “التعايش” يفرض نفسه بسلاسة نسبية. لم يعد الناس يختبئون في المنازل ولم تعد المحلات مغلقة والأنشطة معطّلة، ويبدو الناس أقل خوفاً. لكنّ هذا الاطمئنان – هذا النوع من التعايش الذي بلا دفاع والمسلِّم بالقدر- يوسّع فقط فرصة الفيروس في الانتشار والتحوُّر. وهو نقيض الوصيّة الذهبية “إعقلها وتوكل”. بل إن البعض تأملوا فكرة تعريض أنفسهم للإصابة حتى ينتهو من هذا الكابوس. ولكن، حتى الإصابة التي قالوا لنا إنها ستعطي الناجي مناعة طبيعية ذهبية، ليست كذلك. ومع فشل اللقاحات أيضاً في الحماية لوقت طويل، والظهور المستمر للمتحوّرات، أصبحت فكرة “المناعة المجتمعية” –تخفيفاً لـ”مناعة القطيع”، غير واقعية. بشكل ما، أصبح “التعايش مع كوفيد” يعني للكثيرين الاستهتار والاسترخاء. المُعظم لا يُراعون أياً من الوصايا البسيطة، مثل ارتداء الكمامة في الزحام والأماكن المغلقة، أو غسل اليدين، أو تجنب التجمعات التي لا لزوم لها. وهناك الذين يعرفون أنهم مصابون، لكنهم يتجولون في الأسواق ويرتادون التجمعات. وهناك اعتياد السماع عن ثلاثين أو أربعين وفاة بسبب المرض في يوم واحد، من دون الإلحاح في السؤال عن سبب ارتفاع أعداد الوفيات نسبة إلى الإصابات، واستنطاق الأسباب ومراجعة البروتوكولات. وكذلك القبول براتب مخفّض لقاء نفس العمل، وكل ما يمرُّ تحت غطاء قوانين الطوارئ. وهو كله “تعايش” قلِق مع واقع غير مريح.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان