أي علاقة للفلسطينيين مع العدو..؟!

في هذه اللحظة من عدم اليقين المطبق، أعلنت السلطة الفلسطينية إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني. وسوف يقول الكثيرون إن هذه العلاقة لم تنقطع في أي وقت لأن وجود "السلطة" نفسه مرهون بالعلاقة مع العدو وبإرادته. ولو رأى الكيان أنها استنفدت دورها الوظيفي المجرد من أي إرادة حقيقية، لتخلص منها على الفور، وهو الذي يمكن أن يغلق "المناطق الفلسطينية" بعربة عسكرية واحدة. لكنّ كل استراتيجيي العدو وخبراء أمنه يرون في وجود "السلطة" مكسبا لا يقدر بثمن لمشروع الكيان الهادف إلى إحكام إطباقه على فلسطين كلها وإنهاء مطالبات أصحابها. يتساءل فلسطينيون ومراقبون بعد الإعلان: لماذا الآن وبهذه السرعة؟ حسناً، أما كان يمكنكم الانتظار حتى تستلم الإدارة الأميركية الجديدة وتتفقدكم بعرض جديد مقبول بضمانات وسقف زمني؟ ألا تنتظرون حتى تروا أي تغيير يمكن أن يجلبه التغيير في واشنطن لتعامل الكيان مع الفلسطينيين؟ كان قطع العلاقات "حرداً" على شيء جوهري يبرر فك الحرَد؟ الجواب المتداول أن "السلطة" تختنق من دون حاضنتها الثلاثية: أميركا؛ الكيان؛ و"المعتدلين". ولكن، أي احتضان هناك؟ إنه بالضبط "عناق الدب" الذي يحتضن الضحية فقط لخنقها وتحطيم عظامها. ومن المريع حقاً أن ارتماءها في هذه "الحاضنة" يخلف المزيد من خنق الشعب الفلسطيني، وتقويض قضيته، وإطالة أمد محنته وحرمانه من أي فرص لتجربة شيء مختلف. وثمة الذين يشخصون خطوة "السلطة" بأنها "براغماتية". صحيح، وإنما فقط بالقدر الذي يخص بقاء "السلطة" بما هي وبما تحققه –أو لا تحققه- في معزل عن أي منافع يمكن الشعور بها لجهة الشعب الفلسطيني ومصالحه وغاياته. كان ينبغي أن تكون التجربة مع الإدارات الأميركية المختلفة، ومع الكيان أيا يكن من يقوده، ومع "عملية السلام" المدمرة قد أظهرت عبث التركيبة كلها: من وجود "السلطة" نفسها، إلى نتائج عملها التي كانت خسارة صافية لقضية التحرر الفلسطيني، خاصة تجريده من أدوات مقاومته –إن لم يكن إحباط رغبته في المقاومة. لإنقاذ شيء بعد "خطة ترامب" واتضاح الواضح من أن الفلسطينيين وحدهم في معركتهم المصيرية، اقترح الغيورون شيئاً لكسر الجمود، ولو أنهم يعرفون أن "السلطة" لن تفعل: المصالحة الفلسطينية، وإجراء مراجعة جذرية للنهج الفلسطيني، وعقد انتخابات قد تغيّر التركيبة الراهنة الفاشلة، واستعادة منظمة التحرير الفلسطينية. وأظهرت "استعادة العلاقات" هذه فقط خيبة التعويل على بقايا منطق في عمل النظام الفلسطيني الحاكم. يستحيل تحقيق "مصالحة" حين لم يتغير شيء في المعطى الذي سبب الخلاف؛ ولن تقبل "القيادة" المؤمنة بصلاح الذات بانتخابات قد تُسقطها من السلطة؛ ولن تستعيد منظمة تحرير بتركيبة جامعة ديمقراطية وأدوار منسجمة مع إرادة الفلسطينيين ومصلحتهم، فتخسر تفردها بالقرار؛ وَلَن تجري مراجعة للنهج كاعتراف بفشل النهج وحتمية تغييره -مع أصحابه! ثمة علاقة طبيعية واحدة تكون بين شعب مشرد ومحتل يناضل من أجل حريته وبين مستعمِر يلغيه بمجرد وجوده: العداء. وإذا كان ثمة علاقة يستعيدها الفلسطينيون مع هذا العدو، ورعاته وممكنيه والموافقين عليه، فهي العداء المطلق الخالي من الشفقة. ومثلما يقال اليوم عن التعايش مع وباء قاتل –اعتياد العيش مع الخوف وتكميم الأفواه وتوقع الخطر في كل لحظة ومكان- فإن "التعايش" مع المستعمِر يعني تكيف الفلسطينيين مع النكبة المتواصلة منذ عقود والاستعداد الدائم للتعرض للقتل والإذلال والاعتقال والمنفى الأبدي. وبذلك، ليس "التعايش" خياراً للفلسطينيين إلا بمقدار البقاء على قيد الحياة وتعزيز المناعة والبحث الحتمي عن علاج منقذ للحياة من وباء الاحتلال. مع ذلك، يقول حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية والمسؤول الكبير في "فتح" عن استئناف التنسيق مع العدو، إن هذا "نصر استثنائي لعظمة (الشعب) وعظمة رئيس الشعب محمود عباس". التنسيق الأمني مع العدو، وتأمين مستوطنيه، واستئناف مهزلة "المفاوضات" بما أفضت إليه، نصر للشعب الفلسطيني؟ أي عظمة تبقت له؟! قال الرجل كل شيء عن عقلية هؤلاء الذي لا يفعلون سوى الإضافة بعناد إلى البؤس الفلسطيني؛ الذين لا ينوون الذهاب في أي وقت قريب من أجل تحقيق "انتصارات" غير منتهية من هذا القبيل!اضافة اعلان