إبادة ذاتية

تظاهرات مناهضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل الربيع الجمعة الماضي. - (ا ف ب)
تظاهرات مناهضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل الربيع الجمعة الماضي. - (ا ف ب)

معاريف

   بن كسبيت

السطر الاول في رد فعل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يروي كل القصة دفعة واحدة: "بعد أن خرج الهواء من ملف 1000 وملف 2000، كما جاء في الرد، "هكذا سيخرج أيضا من ملف 4000". من ناحية نتنياهو، فإن حقيقة أن شرطة إسرائيل أجملت هذين الملفين وقررت بانه تبلورت بنية تحتية من الادلة لتقديمه إلى المحاكمة على الرشوة، مرتين، هي "خروج هواء".اضافة اعلان
ليس فقط اجزاء واسعة من الجمهور يؤمنون بهذا الهذيان، بل نتنياهو نفسه أيضا مقتنع بصحته. وحقيقة أن ثلاثة أجهزة شرطة مختلفة، في ثلاثة عقود مختلفة، أدارت ضده تحقيقات جنائية مختلفة وتوصلت إلى استنتاجات مشابهة (لتقديمه إلى المحاكمة)، يصفها "حملة صيد" وعلى لسان مقربيه "قتل شخصية". وليس في هذا الجمهور أي ولد صغير يهتف بصوت عال ان الملك عار، وان احدا لا يخوض ضده حملة صيد وأحد لا يقتل شخصيته. فشخصيته هي التي تقتله.
المصيبة الأكبر التي وقعت لنتنياهو هي انتصاره العظيم، ضد كل الاحتمالات، في انتخابات 2015. فقد رفع هذا الانتصار إلى مستويات جديدة الاعتداد الطبيعي لنتنياهو، فكرته "أنا وليس غيري"، الثقة الذاتية المبالغ فيها والايمان بانه لا يهزم، مخلد لا يموت. هذا الانتصار، وبعده الانتصار المذهل بقدر لا يقل لدونالد ترامب، هما اللذان أزالا عن نتنياهو التوازنات التي تبقت، الكوابح التي نجت، وادخلاه في مسار الابادة الذاتية.
وصلنا إلى جوهر الموضوع: فإقالة آفي بيرغر، مدير عام وزارة الاتصالات، بمكالمة هاتفية، في اول يوم لتشكيل الحكومة، هي ام كل الخطايا. فبيرغر لم يعينه في منصبه خالد مشعل وكان يعنى ببيع اسرار الخلوي الإسرائيلي للجان المقاومة في غزة. بيرغر، رجل مهني مقدر، عينه في منصبه جلعاد أردان. وهذا هو من الليكود. وذاك من هيئة البث، التي ملصت لنتنياهو في الجرف الصامد.
أردان إياه الذي سكت عندما نكل نتنياهو بجثة هيئة البث سنة كاملة، اختفى أيضا عندما أقيل المدير العام الذي عينه ودفنت دفنة حمار الاصلاحات التي بناها. فقد أنزل نتنياهو بالمظلة إلى وزارة الاتصالات مقربه المخلص، رجل المهام الخاصة والمناطق الغامض، شلومو (مومو) فيلبر. وقبل ذلك وقع شركاءه الائتلافيين على "بند الاتصالات" الفضيحة، غير المسبوق في دولة ديمقراطية، والذي منحه قوى البطل الاعلى في كل ما يتعلق بسوق الاتصالات.
يوم واحد، بعد كثير من تفجر فقاعة العقارات (أو لا) وموشيه كحلون يهدأ، بعد كثير من تحقق الهدف في الرياضيات وفي الفيزياء في وزارة التعليم ونفتالي بينيت يهدأ، بعد كثير من معرفة آريه درعي اذا كانت وجهته نحو السجن للمرة الثانية أم لا، وحتى بعد أن يهدأ ليبرمان، لن يتمكن هؤلاء الجنتلمانيون من تنظيف انفسهم من مسؤوليتهم الجماعية عن هذا الامر الشائن. الشائن الذي يهدد الان بإطلاق عصبة غير صغيرة من المشبوهين، بينهم ارباب مال ورجال اعمال بارزون، إلى فترات حبس طويلة. أمر شائن أفقد رئيس وزراء في إسرائيل عقله ومن شأنه الان أن يحيله عن منصبه ويطلقه نحو بيت السجناء. وما تزال اليد ممدودة.
هذه الصفقة البائسة، التي كشف النقاب عنها جيدي فايتس في تحقيقه المذهل في "هآرتس" اخضعت في صالح رئيس وزراء إسرائيل موقع أخبار شعبي، فيما أن المقابل هو امتيازات بقيمة المليارات لشركة الاتصالات التي تحوز ملكية ذاك الموقع. وبخلاف ملف 2000، هناك يزيد ما يقال عما يفعل. ملف 4000 مليء بالافعال والادلة في الغالب، الشهود الملكيين الذين سيشهدون الواحد ضد الاخر، التسجيلات، المراسلات، الصور، التقارير الصحفية واختلاطات مختلفة ستلعب فيه دور النجوم. وسيتعين على الشرطة ان تدفع بشرطي حركة سير خاص نحو مهمة ترتيب السباق إلى مكانة الشاهد الملكي او شاهد الادعاء لان هؤلاء الجنتلمانيين المختلفين غير معتادين على حجرات الاعتقال سيشاركون فيه. والكرزة التي في القشدة، بنيامين نتنياهو سيحقق معه لاحقا. والقشدة نفسها، السيدة نتنياهو، سيحقق معها هي أيضا. وينبغي الامل في أن هذه المرة على الاقل سيتم هذا بالتوازي كما هو متبع.
ان طواحين العدل تطحن. ببطء، ولكن بثبات. يحتمل أن يكون الموضع الذي فيه نتنياهو لا يجعلنا نرى هذا، ولكن القطار انطلق من المحطة والنفق الذي يدخل فيه لا يؤدي إلى القدس، بل إلى العكس. خير كان يفعل بنيامين نتنياهو لو أنه يفهم الوضع ويسعى إلى الصفقة الاكبر في حياته – الاعتزال مقابل توحيد الملفات واغلاقها. يخيل لي أنه تأخر عن القطار.