إبراهيم الجراح: اكشفوا الغموض

بتوجيه النائب خليل عطية سؤالا إلى الحكومة للكشف عن تفاصيل وفاة رجل الأمن إبراهيم الجراح، يكون بذلك قد أثار واحداً من أكثر الألغاز غموضاً خلال الفترة الماضية.اضافة اعلان
الجراح، الذي كان مرافقا لوفد صهيوني تبعاً لعمله في مرتبات الشرطة السياحية، وجده أهله غارقاً في بركة ماء كبريتية بمنطقة البحر الميت قبل شهرين تقريبا، وهو في كامل زيّه العسكري، وبدون مسدسه.
روايات الوفد الصهيوني التابع للمجلس الإقليمي المتطرف "تاما"، ادعت أن الجراح نزل للسباحة في البركة، وأنها كانت آخر مرة يرونه فيها قبل أن يتركوه هناك. هذا الكلام ينفيه أهله؛ إذ يقولون إن إبراهيم لا يجيد السباحة نهائياً، وإنه لم يجربها في حياته. كما تنفيها الحالة التي وجد فيها إبراهيم وهو يرتدي ملابسه الكاملة؛ فالذي يريد السباحة لا يمكن أن يبقى بملابسه!
لكن الأمر الصاعق، والذي نتوقف عنده مذهولين، هو أن جثة إبراهيم لم يتم العثور عليها إلا في ساعات الفجر الأولى من يوم الخميس، وقبل ذلك تم إعلانه مختفيا أو مفقودا من قبل الأمن الأردني؛ والكشف الطبي على الجثة تم صباحا، أي بعد ذلك بساعتين تقريبا، فكيف نفسر أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نشرت خبر "غرق" رجل أمن أردني مرافق لوفد سياحي إسرائيلي، وكيف تسنى لها الحصول على صورة الجراح ونشرها على صفحتها مع الخبر في عددها ليوم الخميس؟!
هذا ليس كل ما في الأمر من غموض، بل إن الأمر يتعدى ذلك؛ إذ إن الصحيفة نشرت مع الخبر تصريحا لمصدر أمني يؤكد أنه "لا شبهة جنائية في غرق إبراهيم الجراح"! كيف استطاعت الصحيفة العبرية الوصول إلى كل هذه المعلومات، وإلى صورة الجراح، وإلى تصريح المصدر الأمني، في الوقت الذي كانت فهي الأجهزة الأمنية تعتبر إبراهيم مختفيا أو مفقودا؟!
يبين أهل إبراهيم أن ابنهم يجيد اللغة العبرية بشكل ممتاز. وفي المقابل، فإنهم يؤكدون أن المترجم الذي تولى أمر الترجمة بين الأمن والوفد الصهيوني، وهو زميل لإبراهيم، "غير قادر على كتابة اسمه باللغة العبرية"! فكيف، إذن، استطاعت الأجهزة الأمنية التأكد من أنه لا شبهة جنائية في حادثة الغرق؟ وكيف تأكدت أن الوفد الصهيوني بريء من دم رجل الأمن الذي كانت خطيئته الوحيدة أنه تبع الأوامر، ورافق ذلك الوفد؟
صور التخبط في قضية إبراهيم الجراح عديدة، والتحقيق فيها -إن جرى فيها تحقيق- يشوبه الكثير من العيوب، والقفز عن حقائق على أرض الواقع.
ومن صور ذلك التخبط القفز عما أكده خبير في الدفاع المدني، بيّن أن الوضعية التي وجدت فيها الجثة، والتي كانت بشكل عمودي، لا تشي باحتمالية الغرق، بل تكشف أن الرئتين كانتا مملوءتين بالهواء عند الوفاة، ما يعني أن الإلقاء في بركة الماء جاء في مرحلة لاحقة للوفاة. والأنكى من ذلك أن البركة تشتمل على مياه كبريتية، عملت على تحليل الجثة بشكل سريع، وهو ربما ما كان يسعى إليه الجاني أو الجناة، لطمس معالم الجريمة.
لقد استمعت إلى أهل إبراهيم الجراح على مدار أكثر من ساعتين على إحدى الفضائيات الأردنية وهم يشرحون معاناتهم في العثور على جثة ابنهم التي استخرجوها بأنفسهم من الماء، وحملوها سيرا على الأقدام مسافة تزيد عن سبعة كيلومترات؛ كما رأيت آلامهم التي يختبرونها وهم يحاولون الوصول إلى حقيقة ما جرى مع ابنهم، ويتساءلون بمرارة: لماذا تم "ترحيل" الوفد الصهيوني بسرعة، والتعامل مع أفراده كشهود؟ أليس ذلك قفزا إلى النتائج؟
من يستمع إلى التفاصيل التي يطرحها أهل ابراهيم ومحبوه، وعلامات الاستفهام التي يثيرونها حول الكثير من النقاط في قضية ابنهم، سيشعر بلا شك، أن حق هذه العائلة هو أن تحظى بتحقيق يجرى حسب الأصول، للوصول إلى حقيقة الموت الذي دهم ابنها وقصم ظهر أهله.
إنهم لا يطلبون تجريم أبرياء، بل هم على استعداد لتقبل براءة الوفد الصهيوني في حال أثبتت التحقيقات ذلك. كل ما يطلبونه هو كشف الغموض حول ما حصل مع إبراهيم الجراح.

[email protected]