إبراهيم سيف يكتب: من قائمة التمنيات إلى تحديد الأولويات

حينما تتاح الفرصة وتستمع للكثير من المطالب القطاعية، لا تمتلك سوى التعاطف والتفهم لتلك المطالب التي تأتي من قطاعات مختلفة، والى وقت قريب لم يكن ضمن أولوياتها إطلاقا السعي للحصول على تصاريح لعمالها أو تأمين دعم مالي بأسعار فائدة مخفضة، بل كانت المطالب القطاعية، لمن يملك الذاكرة، تتركز على تسهيل تنفيذ الأعمال، خفض كلفة الطاقة تسهيل الإجراءات وأحيانا تحسين سوية البنية التحتية، فجأة اختلفت الأولويات، وهذا لا يعني ان التحديات القديمة اختفت، كل ما في الأمر أن الهم الرئيسي الآن بات هو المحافظة على الوجود والبقاء في السوق والاستمرار انتظارا لتبدل الأوضاع، من هنا انصبت التحليلات على موضوع سرعة التعافي على المستوى القطاعي، وكم من الوقت والموارد المالية ستحتاج شركات القطاعات المختلفة لاستعادة مستوى النشاط السابق.اضافة اعلان
انطلاقا من هذا الواقع يتسابق ممثلو القطاعات لإعلاء الصوت والتبشير بأن "كارثة" حلت بقطاعاتهم، وبطبيعة الحال فإن الجهود الحكومية غير كافية وهناك تردد واعتباطية باتخاذ بعض القرارات التي تزيد من وطأة الجائحة عليهم، وخلال الأسبوع الأخير ظهر غضب وعدم رضى بعض فعاليات القطاع السياحي، سبقهم المقاولون والنقابات المهنية، فالكل ينظر من زاويته إلى المشاكل التي يواجها، ولعل هذا هو الطبيعي في ظل التمثيل الذي يحظى به رؤساء الجهات المختلفة.
معظم المطالب التي تأتي من القطاعات تتمحور حول أربع مسائل تتعلق بالإعاقات الإدارية والتدخل الحكومي بالتفاصيل التي لا تعرفها، وهذا معيق للعمل الراكد أصلا، الثانية ولعلها الأهم هي جفاف مصادر السيولة والأعباء المالية المتكررة التي تترتب على تلك المنشآت، ثالثا، هناك تأخير كبير في دفع المستحقات، وهذا ينطبق على القطاعين العام والخاص، فالحكومة لا تدفع بالكامل، والقطاع الخاص يرجئ الالتزامات المرتبة عليه، رابعا الضبابية وغياب أي رؤيا واضحة حول ما ستؤول اليه الأمور في المستقبل القريب.
لا يمكن إهمال أهمية العناصر أعلاه في التعامل مع الأزمة التي كانت خارج كل الحسابات، ولكن لا يمكن التغاضي كذلك عن الوضع المالي الصعب على المستوى الكلي والذي ينعكس كذلك على عجز الموازنة، ومهمة وزارة المالية اليوم ليست سهلة ، فهي تحاول التسهيل قدر الإمكان، ولكنها أيضا تعاني من تدني مستويات الاستهلاك لأسباب خارجة عن إرادتها، وهي لا تمتلك حيزا ماليا كبيرا لتناور به، لكي توظف سياسة مالية توسعية تنشط الدورة الاقتصادية، وللتذكير فإن اقتصادات الدول الكبرى والتي اتبعت سياسة مالية توسعية لم تنج من التبعات السلبية لانخفاض الطلب وهو ما نجم عنه ارتفاع مستويات البطالة الى مستويات غير مسبوقة، كما هو الحال عليه في الولايات المتحدة الأميركية.
والحال كذلك، والمحددات العديدة التي ترافق صنع السياسات العامة، فإن النهج الذي يجب التركيز عليه يجب يقوم على بناء رؤيا متكاملة لوضع الاقتصاد والتي بناء عليها لا بد من تحديد قائمة أولويات لا غنى عنها، قائمة تحدد القطاعات والشركات التي تعتبر حيوية وفقا لمعايير واضحة، وتطبيق تلك المعايير بصرامة لإجراء تدخلات عميقة فيما يخصها، وبما يضمن استمراريتها، ومن شأن هذا النهج مضاعفة العائد على الموارد المحدودة المتاحة، وإزالة بعض الغموض المرتبط بالمستقبل، وهذا أقل القليل الذي يمكن تقديمه خلال هذه الفترة الصعبة التي نمر بها. فالمطالب لا قبل لأحد بها، وهي تدخل في باب التمنيات وليس الأولويات، وهذه برأينا هي المهمة الأولى التي يجب أن تتصدى لها الحكومة.