إجراءات غير حكيمة

شهدنا مؤخرا تطورا خطيرا في تعامل الحكومة مع النشطاء من الحراكات الشعبية والشبابية؛ إذ تم توقيف عدد منهم، ووجهت لهم تهم، منها تقويض نظام الحكم، ومن ثم تحويلهم للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة. اضافة اعلان
وقد أثارت هذه الخطوة احتجاجات من قبل الحراكات والأحزاب، وقانونيين، ومؤسسات مجتمع مدني، خصوصا أنه قد تمت إحالة أشخاص مدنيين للمحاكمة أمام محكمة عسكرية. ولم تنحصر هذه الاحتجاجات في منظمات المجتمع المدني المحلية، وإنما امتدت إلى الخارج؛ فها هي منظمة "هيومان رايتس ووتش" تنتقد هذه الاعتقالات ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وتعتبر -في بيان لها أمس- أن الحكومة ترد على المطالب الإصلاحية بالاعتقال والحبس، بدلا من تفهم هذه المطالب التي ينادي بها النشطاء.
نعم، هناك شعارات وهتافات مرفوضة ولا يمكن قبولها صدرت من قبل بعض النشطاء، أو من آخرين شاركوا في فعاليات للحراكات الشبابية والشعبية. ولكن في الوقت ذاته، لا يجوز أن يكون الرد باعتقال نشطاء، وتوجيه تهم خطيرة لهم، ومحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة، وكأننا لم نقطع أي خطوات على صعيد الإصلاح الشامل. فمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في قضايا متعلقة بالرأي والحريات العامة، أمر غير مقبول عندنا ولا في الدول الديمقراطية، وهذه الدول بالتحديد لا تعترف بقرارات المحاكم العسكرية فيما يخص المدنيين، مهما كان نوع القضية التي حكم الشخص فيها.
لقد شعر المواطنون أننا في مرحلة جديدة، خصوصا بعد التعديلات الدستورية الواسعة التي قيدت صلاحيات محكمة أمن الدولة. ولذلك، وعندما يعتقل شخص في مسيرة أو اعتصام جراء قول أو شعار، فإننا نجد ردود فعل سلبية تجاه هذه الممارسة الحكومية، وتُحسب من قبل كثيرين في باب تراجع الحكومة الحالية عن التوجهات الإصلاحية، وضيقها ذرعا بالمسيرات والاعتصامات التي تطالب بالإصلاح. فالكثيرون يعتقدون أن الحكومة الحالية لا تتحمل النقد، ولا تتقبل استمرار المسيرات والفعاليات المطالبة بالإصلاح، وتجد فيها تحدياً لها، رغم أن هذه الحكومة لم تنجز أي شيء على صعيد الإصلاح. فالإنجازات الإصلاحية، بغض النظر عن تفاوت تقييمها بين جهة وأخرى، لم تكن  هذه الحكومة مسؤولة عنها. وللأسف، فإن الحكومة الحالية بخطواتها وإجراءاتها غير المدروسة، ومنها قرار رفع أسعار المشتقات النفطية الذي جمد بإيعاز ملكي، والاعتقالات التي تتالت ليصبح عدد المعتقلين من الحراكات الشبابية، بحسب "هيومان رايتس ووتش"، 20 شخصا في أسبوع واحد، وغيرها من الإجراءات، أدت إلى قناعات عند البعض ومشاعر عند البعض الآخر، بأنها حكومة لا تؤمن بالإصلاح، وغير معنية به على الإطلاق، ولا تسعى إلى تحقيقه، بل إنها تسعى إلى نقيضه.
في هذه المرحلة الحساسة، الحكومة مطالبة بالتوقف عن إجراءاتها وخطواتها المتسرعة، والتعامل بحكمة مع الحراكات الشعبية والشبابية والقوى المعارضة. فهذه الإجراءات الحكومية تزيد من التوتر والاحتجاج، وهذه المرحلة لا تحتمل ذلك. فهل تعيد الحكومة التفكير في آليات عملها، أم أن الحاجة أصبحت ماسة لحكومة جديدة؟

[email protected]