"إحنا بتوع الكوتات"!

في تعليقه على النقاشات والنكت والتعليقات التي ما تزال تشغل مواقع التواصل الاجتماعي بعد حفلة "الردح السياسي"، يشير الصديق محمد الحسيني، (مدير مركز هوية للدراسات) على صفحته الخاصة، إلى أنّ "الكوتا" ليست مقتصرة على النساء في مجلس النواب، فهنالك "كوتات" عديدة؛ فهنالك مقاعد مخصصة للشركس والأقليات، وللبدو، والمسيحيين.اضافة اعلان
هذا صحيح، ليس ذلك فحسب، بل في قانون الصوت الواحد والدوائر الفرعية الحالية، هنالك معادلة واضحة أقرب إلى تخصيص مقاعد للألوية ومناطق معينة بدعوى "الحقوق المكتسبة".
إذا تجاوزنا مجلس النواب إلى الغرفة التشريعية الثانية فالكوتا تأخذ أبعاداً أخرى، ديمغرافية وجغرافية، وهو المعيار نفسه المتّبع في تشكيل الحكومات، فالمهم أن يتم إيجاد تمثيل للمحافظات والتوازن في ذلك، حتى لو كان على حساب الكفاءة والجدارة، ولا تخرج عملية توزيع مناصب الدولة العليا عن هذه الاعتبارات؛ بذريعة "التوازنات" الاجتماعية والسياسية.
مثل هذه "الكوتات السياسية" تعكس أمراً جوهرياً يتمثّل في تكريس حالة الانقسام والتشرذم الاجتماعية وتعزيز الروابط الأولية، بوصفها الرافعة الرئيسة للأشخاص للوصول إلى مواقع السلطة التنفيذية والتشريعية، وربما حتى القضائية تدخل فيها هذه الاعتبارات!
وإذا كان ذلك عنواناً على شيء فهو، بالضرورة، فشل الدولة في بناء هوية جامعة وصهر الجميع ضمن الخطاب الوطني العام، وتكريس قيم الكفاءة والنزاهة والفعالية في تنشيط الحياة السياسية، بدلاً من ذلك يحدث العكس أي أنّ المؤسسات السياسية تصبح انعكاساً وتجذيراً لأزمة الإدارة في الدولة.
 لو انتقلنا من المستوى السياسي إلى المجتمعي، فلن يكون الأمر مختلفاً، حتى الدخول إلى الجامعات، لم يعد مستنداً بالدرجة الأولى للقبول الموحد ولقيمة المساواة والعدالة المرتبطة بمعدلات الثانوية العامة، فهنالك حجم كبير متنامٍ من الكوتات في عملية القبول الجامعي، كوتا الجيش والمعلمين والعاملين في الجامعات، وكوتا العشائر، والأقل حظاً والمخيمات، وهنالك كوتا ضمنية غير معلنة لأبناء الأغنياء (التعليم الموازي)، حتى أصبحت نسبة من يقبلون ضمن المعايير والأسس القانونية والإدارية، وفق مبدأ المساواة هي الاستثناء أو "الكوتا"، بينما أصبحت "جزر" الكوتات هي الأصل!
 هذا المعلن والمعترف به، رسمياً، لكن ما ليس معلناً هو أنّ الجامعات نفسها أصبحت تخضع في اختيار الإدارات والتعيين والمواقع الإدارية، منذ سنوات، إلى منطق الكوتات، فنواب المفرق يطالبون بالحصة الكبيرة في جامعة آل البيت، من رئيس الجامعة إلى عمال النظافة، والحال كذلك في جامعة البلقاء والطفيلة ومؤتة وغيرها، والضحية الأولى والكبرى لهذا التلاعب والإجحاف هي الجامعات نفسها، التي أصبحت، كما شاهدنا، في الأعوام الأخيرة مركزاً للعنف الجامعي والإهمال والتراجع، وعجز الموازنات، وضعف المستوى الأكاديمي، للمعلمين والطلاب، وتراجع التعليم العالي إلى مستوى مرعب بعد أن كان بمثابة "نفط الأردن" في العقود الماضية!
ماذا يعني هذا الحجم الهائل من الكوتات (وهي في تعريفها الواقعي استثناءات)؟ باختصار يعني اختلالاً هائلاً في قيم الدولة وعلاقتها بالمجتمع، في مفهوم دولة القانون والمواطنة، وفي مبدأ المساءلة والكفاءة، وربما هذا وذاك يقودنا إلى مسار الأزمات التي تضرب أداء الدولة وسمعتها ومصداقيتها وعلاقتها بالمجتمع، والترهل الإداري، فكلها عوامل مترابطة، أصابت الدولة وأداءها بحالة من الهزال والضعف والتردّي!
 إذا كانت هنالك علامات تجارية أو سياسية أو حتى ثقافية تميّز البلاد عن بعضها، فمن الضروري أن نضيف "الكوتات" إلى الأردن لوجود أكبر نسبة كوتات في العالم لدينا!