إحياء صداقات الأطفال وتجديدها.. حاجة ملحة بعد "عزلة" كورونا

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان- لم تكن سنة عادية تلك التي عاشها الصغار، إذ اختبروا معاناة نفسية لم تكن سهلة عليهم خلال الفترات الماضية جراء أزمة جائحة كورونا. وجاء الابتعاد عن المقاعد الدراسية وغياب التعلم الوجاهي وتحوله لـ"أونلاين" ليغير من طباعهم وشخصياتهم، وبالتالي الابتعاد عن أصدقائهم ورفقاء الدراسة، وتلك العلاقات التي كانت تتجدد باستمرار من خلال اللقاءات المستمرة واللعب والترفيه والدراسة معا.اضافة اعلان
ذلك الأمر، جعل الأهالي يفكرون بخطط لتعويض الأبناء عما شهدوه في الأشهر الماضية، خصوصا الآن على أعتاب العطلة الصيفية، وأولى تلك الخطط، فعاليات تجدد من طاقاتهم، وتكسبهم مهارات جديدة، ونشاطات مشتركة يمارسونها برفقة أصدقائهم الذين غابوا عنهم مدة ليست قليلة.
وتفكر أم عون، وهي أم لثلاثة أبناء، بمبادرة لتجدد علاقات أبنائها مع أصدقائهم وإنعاشها، واستعادة ذكريات جميلة جمعتهم معا، وتساعد على كسر الروتين اليومي والضغوطات التي اختبروها منذ آذار (مارس) الماضي، وأثرت فيهم نفسيا وجسديا.
تقول "بمجرد انتهاء السنة الدراسية قمت بتقديم اقتراح على مجموعة واتساب الخاصة بأمهات الأطفال، والتي نتساعد فيها ونتشاور خلال الفصل الدراسي، بأن نقوم برحلة إلى إحدى المزارع لقضاء وقت لطيف والترفيه عن الأطفال لتجاوز صعوبة ظروف التعلم عن بعد، وسعيا وراء تجديد علاقات الأطفال في ما بينهم بأجواء من الفرح والنشاطات الترفيهية".
ووجدت أم عون تفاعلا كبيرا من الأمهات، وكأنهن جميعا بحاجة إلى مثل هذه المبادرة، فبعد الاتفاق على يوم محدد وحجز مزرعة وشراء مستلزمات الرحلة، تلاقى الجميع معا وقضوا يوما طويلا وجميلا، كما وصفته، كما لمس الصغار تغييرا كبيرا عن أجواء المنزل وقضوا وقتا ممتعا باللعب في مساحات خضراء بعيدا عن أجواء الملل، واتفقت الأمهات على أن تتم هذه الاجتماعات بشكل دوري، لتقوية العلاقات بين الصغار.
وقريبا من هذه المبادرة، قامت مروة سيد وهي أم لطفلتين بجمع أمهات صديقات طفلتيها بعزومة على الغداء في منزلها، وكانت قد جهزت عددا من الهدايا لجميع الأطفال بأجواء من الألفة والمرح ظهرت على الجميع.
تبين مروة أن على الأم أن تساعد أبناءها على تجديد العلاقات مع أصدقائهم، وتوطيدها من جديد، موضحة أن معاناة الأطفال بالابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، واللعب والركض في مساحات كبيرة ومشاركة أبناء جيلهم بنشاطات بدنية وذهنية، جعلت منهم أطفالا محبين ويميلون للجلوس بالمنزل والعزلة أمام الأجهزة الالكترونية.
المرشدة التربوية رائدة الكيلاني، تؤكد ضرورة اهتمام الأهالي بتحفيز الأطفال على الحفاظ على صداقاتهم، وكثير من الأمهات نظمن نشاطات للصغار مع أقرانهم لاستعادة أجمل الذكريات بينهم وتبادل الأحاديث أو الذهاب في رحلات ترفيهية، وجميع هذه النشاطات تحفز وتطور من شخصية الأطفال.
وتبين أن تفكير الأهالي بإعادة إحياء الصداقات لأطفالهم، تحديدا من هم في عمر صغير، أمر مهم في هذا الوقت تحديدا، خصوصا أنهم اختبروا أوقاتا صعبة ولازموا البيوت لأشهر عدة، وأصبحت علاقاتهم صعبة ومتذبذبة، وتحتاج إلى إعادة إحياء من جديد.
وتنصح باستغلال الأهالي العطلة الصيفية عبر نشاطات وفعاليات متعددة للأبناء، تمهيدا لعودتهم إلى مدارسهم وزملائهم والتعامل وجاهيا مع أبناء جيلهم في القريب.
ويلفت اختصاصي علم الاجتماع د. حسين خزاعي إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، فهو كائن اجتماعي يبحث باستمرار عن علاقات تضيف التوازن لحياته، فالتباعد الاجتماعي الذي حدث في الفترة الماضية بهدف القضاء على الوباء، جعل الجميع متشوقا للقاء الآخر.
وعند الحديث عن الأطفال وصحتهم النفسية والجسدية والفكرية، فهم بحاجة للتجديد في علاقاتهم الاجتماعية في ظل الظروف الراهنة، وذلك بمساعدة الأهالي على توفير مساحة للقاء أبناء جيلهم وتبادل الحديث واللعب وخلق أجواء تذكرهم أن هذه هي الحياة الطبيعية التي يجب أن يعيشوها، حتى مع استمرار التعلم عن بعد، فاجتماع الطفل مع أصدقائه حاجة مهمة وأساسية.
والتفاعل الوجاهي في حياة جميع الأفراد، أهم محسن للصحة النفسية، وفق اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة الذي يتفق مع خزاعي بأن الإنسان هو كائن لا يستطيع أن يعيش بمفرده، فهو جزء من مجتمع وعائلة ويتشارك مع الآخرين في كل شيء.
وإنعاش الصداقة بين الأطفال هو الأساس، تحديدا في هذه الأوقات ومع اقتراب عودة التعلم وجاهيا في السنة الدراسية المقبلة، وفي ذلك فرصة لتجديد الأحاديث والذكريات الجميلة وتوطيد علاقاتهم في المدرسة، لتكون الصداقات أكثر قربا.
وألقى وباء كورونا بظلاله على جوانب عديدة من حياة الأطفال والمراهقين، أبرزها إغلاق المدارس، وبحسب منظمة اليونيسكو، فإن الوباء تسبب في انقطاع 1.6 مليار تلميذ في 190 دولة حتى الآن عن التعليم، وهذا يمثل 90 في المائة من أطفال العالم في سن المدارس.
والانقطاع عن الدراسة، أدى لضغوط نفسية فرضتها العزلة في ظل الحجر الصحي، وتبعات جسيمة، مثل تأخر النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي. وقد تزيد هذه الضغوط في مرحلة المراهقة من مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية.
ووفق دراسة نرويجية، فإن التعلم عن بُعد قد لا يعوض الأطفال عن الفرص التي فاتتهم في هذه الفترة من الانقطاع عن الدراسة. كما أن إقامة علاقات مع الآخرين وقضاء وقت مع الزملاء والتركيز في الدروس أسهل كثيرا عندما يكون الطلاب في غرفة واحدة.