إدارة الأزمة أم أزمة الإدارة؟

هناك اتفاق على أن الظروف الإقليمية الصعبة والشائكة شكّلت، وما تزال تشكل، تحدياً كبيراً لدول المنطقة، والأردن ليس استثناء لا بل قد يكون من أكثر الدول تأثراً بتلك الأزمات. هذه الظروف تضاعف الصعوبة في السيطرة على الأحداث وإدارتها بشكل جيد وسليم.اضافة اعلان
الأردن تميز تاريخياً بقدرته على تجاوز الأزمات الكبيرة منها والصغيرة، إضافة لحكمة وبُعد نظر القيادة الهاشمية، فإن الإحساس بالمخاطر على أمن واستقرار الأردن، ساهم في تطوير أدوات وآليات فريدة مكّنت الأردن من تجاوز هذه الأزمات، وسجلت نجاحات باهرة على هذا الصعيد، لكن في السنوات الماضية بدأ المراقب يلاحظ ضعفاً وارتباكاً أحياناً في إدارة الأزمات سواء أكانت سياسية أو إنسانية، أو بيئية،  مثل عاصفة ثلجية كبيرة أو تساقط الأمطار بغزارة في موسم الشتاء أو غير ذلك.
ويمكن تلخيص أزمة الإدارة بمجموعة من العناصر منها: ضعف القدرات الشخصية؛ وانخفاض مستوى الكفاءة المؤسسية؛ وتعدد المرجعيات؛ وغياب أو ضعف الشفافية في أداء الحكومة أو مؤسساتها، وتدني التنسيق بين المؤسسات، وأخيراً قلة التواصل السياسي مع الناس أو المواطنين.
الإدارة العامة هي علم وفن، وكل نقاط الضعف مرتبطة بعملية الحوكمة. إذ تشير الدراسات العلمية والحديثة ويؤكد المفكرون الكبار والمعاصرون أن سرّ نجاح الدول وفشلها، إنما يكمن في المؤسسات والإدارة.
ومن أهم عناصر الإدارة هي القيادات الوطنية التي هي الأقدر على حمل رسالة الدولة والدفاع عن مصالحها وقيادة مؤسساتها. ولكننا الآن نعاني من شحّ هذه النخب، وهذا مؤشر إلى وجود أزمة أو إشكالية في إنتاج النخب السياسية، فقد تحوّل بعض المسؤولين المهمين في الدولة إلى مجرد موظفين في مؤسساتها، غدا الإنجاز الأكبر بالنسبة لهم متمثلاً في وصولهم لهذه المناصب. ونلحظ عندما تواجهنا مثل هذه الأزمات غياباً تاماً لهذه النخب في الدفاع عن الدولة ومصالحها.  
والمسألة الأخرى في إدارة الأزمات مرتبطة بالإعلام والمؤسسات الإعلامية التي وإن لم تكن جزءاً عضوياً من الإدارة العامة، إلا أنها تؤدي دوراً غاية في الأهمية في إدارة الأزمات والمؤسسات الإعلامية، سواء أكانت خاصة موالية أم معارضة، فهي إعلام دولة وتدافع عن الدولة ورسالتها ومصلحتها العامة في الوقت نفسه وتشكل رقيباً على الحكومات وأدائها واستحقت بسببه لقب "السلطة الرابعة".
لقد تراجع أداء الإعلام الأردني بشكل كبير، ولم يعد قادراً على أداء دوره كإعلام دولة، ومن ثم أصبح جزءاً من المشكلة وليس الحل، وتتفاقم مشكلة الإعلام الأردني مع انتشار الإعلام الاجتماعي الذي أصبح مرجعية للمواطن الأردني، وبخاصة في فترة الأزمات، ما يفسح المجال للإشاعات والاستغلال من قبل أطراف معادية للدولة ببث رسائل تؤدي لإضعاف ثقة المواطنين بمؤسساتهم الوطنية.
خلاصة القول، إننا اليوم نعاني من تراجع قدرة الإدارة العامة في إدارة المشكلات التي يواجهها الأردن أو الأزمات التي تظهر بين فترة وأخرى. هذا  الضعف عمّق أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات المدنية المعنية منها والمنتخبة والتي باتت تؤثر سلباً في قدرة الدولة على بلوغ أهدافها، وتحقيق آمال المواطنين وطموحاتهم.
إن الاستمرار بهذا الأداء والضعف من قبل المؤسسات الرسمية في معالجة المشكلات والأزمات، سيؤدي حتماً إلى تراجع هيبة الدولة والذي يجب أن لا يكون مقبولاً.
لقد بات من الضروري إجراء مراجعات عاجلة ومعمقة للإدارة العامة وقدراتها في التعامل مع هذه المشكلات والأزمات، والعمل على تبني منهجية علمية موضوعية يتم من خلالها التعامل مع المشكلات الطارئة والأزمات الكبيرة والحساسة والمصيرية التي تواجهها المملكة في الأوقات الصعبة، بحيث تأخذ القرارات الصادرة في الحسبان الأبعاد الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية للوطن وأهله.