إدارة الدين العام.. أزمة مزدوجة

ترتفع أصوات عديدة في مختلف أنحاء العالم للمطالبة بإيجاد حلول جذرية لمشكلة الدين العام باعتبارها قنبلة موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي، خاصة بعد ارتفاعه الكبير جراء جائحة كورونا.اضافة اعلان
تستند الدعوات المطالبة بإلغاء ديون الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل الى فرضية أن غالبية الدين العام الذي تتحمل أعباءه هذه الدول يعود الى الدول الصناعية الكبرى، وإلى مؤسسات اقتصادية ومالية دولية، لذلك تتجه المطالبات لهذه الدول والمنظمات لإلغاء الدين أو على الأقل إلغاء فوائده.
إذا ما تيسر لهذه التحركات العالمية -التي تشارك فيها العديد من الدول والعديد من منظمات المجتمع المدني العالمية- تحقيق أهدافها، فإن بعض الدول ومنها الأردن لن تستفيد منها.
الأسباب تعود ببساطة الى أن القائمين على إدارة الدين العام في الأردن ذهبوا باتجاه التوسع في الاستدانة من البنوك وصناديق الاستثمار الخارجية والمحلية، وبالتالي أصبحت هذه الديون خارج نطاق تنازل الدول عن حقوقها المالية، الى جانب أن حملة الأسهم في البنوك وأصحاب الحقوق في صناديق الاستثمار بمختلف أنواعها لن يتنازلوا عن حقوقهم المالية.
منذ بداية العقد الماضي، بدأت عمليات التحول في الاقتراض من طرف حكوماتنا المتعاقبة تجاه الاقتراض من الأسواق المالية العالمية، من خلال التوسع في طرح سندات حكومية في الأسواق العالمية -هي بالنهاية ديون على الدولة، ولكن بفائدة أعلى من ديون المؤسسات المالية الدولية والدول الأخرى، الى جانب فترات سدادها قصيرة المدة.
وقد بلغت قيمة الديون الخارجية التي تلتزم بها الحكومة باستخدام هذه الطريقة ما يقارب 6.3 مليار دينار من أصل 13 مليار دينار حجم الديون الخارجية حتى نهاية شهر تشرين الثاني للعام 2020، الى جانب ما يقارب أربعة مليارات دينار من المؤسسات المالية والبنوك الدولية والإقليمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء، إضافة الى 2.1 مليار دينار من الدول الصناعية الكبرى.
كذلك، توسعت الحكومات الأردنية في الاستدانة من البنوك المحلية عن طريق طرح سندات في السوق المحلية، وتمكنت من سحب ما يقارب 8.5 مليار دينار، وهي أيضا بأسعار فائدة مرتفعة.
المشكلة لدينا في الأردن الآن أصبحت مزدوجة، فحجم الدين العام يرتفع بشكل كبير والذي سيقارب 50 مليار دولار خلال العام الحالي، وستترتب عليه فوائد (خدمة الدين) ستقترب من 20 بالمائة من حجم الموازنة العامة، الى جانب عدم قدرتنا على الاستفادة من أي جهود دولية لتخفيض قيم أصل الديون أو فوائدها.
هذا النوع من الإدارة الحكومية غير الحصيفة للدين العام، حمل المالية العامة والاقتصاد الوطني أعباء ثقيلة جدا؛ إذ إن أكثر من 85 بالمائة من الدين يعود الى مؤسسات مصرفية عالمية ومحلية وإلى صندوق استثمار الضمان الاجتماعي.
الاستمرار في التوسع بالحصول على قروض من مصادر تجارية، من شأنه أن يضيّق أي فرص للتخفيف من حجم الدين أو فوائده، ومن شأنه كذلك أن يذهب بمؤشر خدمة الدين العام الخارجية والداخلية الى مستويات يصعب الوفاء بها.
علينا في الأردن أن نمعن التفكير والتأمل بمسارات تطور الدين العام ومصادره، وعلى البرلمان بغرفتيه نوابا وأعيانا مساءلة الحكومة عن هذه السياسات، كي نرى أين تتجه أوضاعنا المالية والاقتصادية المستقبلية.