إدارة ترامب و"تقاسم العبء"

بعد مرور عام على رئاسة دونالد ترامب الولايات المتحدة، يمكن القول إن دول "مجلس التعاون" الخليجي متفائلة باحتمالات توثيق الشراكة الاستراتيجية الأميركية-الخليجية بشكل أكبر في عهده، على الرغم من اعتراضها الواضح على قراره المشؤوم نقل سفارة بلاده إلى القدس. ومع الأخذ بالاعتبار أنه بعد سنة من تسلمه الرئاسة أصبحنا لا نتكلم عن دول الخليج كوحدة واحدة منذ حزيران (يونيو) الماضي، فإنه يجوز القول إن الرياض وأبوظبي والمنامة، على الأقل، تتبنى الأجندة نفسها لترامب بخصوص محاربة التطرف والإرهاب واحتواء سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة. وتنظر هذه العواصم بإيجابية إلى محاولة إدارة ترامب "خلق توازن" في الشرق الأوسط، سيكون مقدّمةً للحلول السياسية والتسويات، وهي حلول وتسويات لم تتم في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما؛ وذلك، لأسباب عدةّ منها أنّ أوباما تبنى مقاربة للمنطقة وأزماتها انحازت لإيران ومشروعها على حساب مصالح الشركاء التقليديين لأميركا في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم دول "مجلس التعاون".اضافة اعلان
إن دول "مجلس التعاون" أيّدت بقوة مساعي إدارة ترامب الأولية لإعادة التوازن وإحداث انعطافة في التعاطي الأميركي مع شؤون المنطقة العربية وهو ما ظهر في ثلاثة مجالات:
المجال الأول الزيادة الكبيرة في أعداد الهجمات بالطائرات الأميركية من دون طيار في اليمن في عهد الرئيس ترامب، مع التركيز على استهداف تنظيمَي "داعش" و"القاعدة". وقد اقترن ذلك بقرار الولايات المتحدة استئناف بيع ذخائر موجّهة بدقة إلى السعوديين، بعد الانتهاء من القيام بمراجعة إلزامية حول ذلك في الكونغرس، وذلك بعدما كان الرئيس أوباما قد أوقف العمل بأحد العقود في كانون الأول (ديسمبر) 2016، بسبب سقوط ضحايا مدنيين في اليمن. كان ذلك تحوّلاً عملياً من قبل إدارة ترامب، وقد لقي ترحيباً كبيراً من السعوديين.
وقد وصلت المراجعة الأميركية في عهد ترامب إلى حدّ الموافقة على اقتراح قدّمته الإمارات بقصد الحصول على دعم أميركي لمساعي "التحالف العربي" في اليمن بغية استعادة السيطرة من مليشيا الحوثيين على ميناء الحُديدة المحوري على البحر الأحمر، وتأمين التنقّل الحر للسفن، تحديداً عبر مضيق باب المندب، أيْ على مقربة من المكان حيث استهدفتْ قواتُ الحوثيين المتمركزة في البر سلاحَ البحرية الأميركي في 2017.
أما المجال الثاني الذي قرأت فيه دول "مجلس التعاون" سعياً من قبل إدارة ترامب لإعادة "التوازن" في المنطقة فهو الضربة الصاروخية الأميركية في العام الماضي على قاعدة الشعيرات التابعة للنظام السوري، الذي قصف الأطفال والمدنيين السوريين بالسلاح الكيماوي. وحتى لو كانت الضربة الأميركية محدودة ومحسوبة العواقب فإنها لم تخلُ من رسالة سياسية واضحة لروسيا وإيران ومن قبلهما للنظام السوري. وقد تكون الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، حول سورية تصبّ في هذا "التوازن"، وأن أميركا باقية في سورية، وإن كان، ما يزال، يعتورها الغموض والشكوك.
أما المجال الثالث فهو دعم حكومة حيدر العبادي لمحاربة "داعش" في العراق وتمكين الحكومة العراقية من أن تكون سيدة قرارها وأقل خضوعاً للتأثير الإيراني. وقد دلّت زيارة وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، إلى بغداد في شباط (فبراير) الماضي على أنّ ثمة توافقاً أميركياً-خليجياً في هذا السياق.
وقد تحمل مرحلة ما بعد "داعش" تعزيزاً للتعاون الأميركي-الخليجي، خصوصاً وأن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أكدّ الجمعة الماضية أن واشنطن تريد تقاسم عبء الحفاظ على الأمن في العالم مع الدول الحليفة، وهو وإن كان ركّز على دول "ناتو" في ذلك، فإن دول الخليج والأردن ومصر ليست بعيدة عن هذا الطرح.