إدمان ألعاب الفيديو.. أطفال ‘‘ينعزلون‘‘ عن العائلة ومختصون يحذرون

تغريد السعايدة

عمان- بهدف حماية أبنائها من الخروج من المنزل في ساعات النهار مع أشعة الشمس العالية، فضلت هادية محمود أن تقتني جهازا للألعاب الإلكترونية ليكون البديل الأفضل لترفيه الأطفال، ولا تمانع من أن يجلسوا لساعات يتبادلون فيها اللعب "بدون شِجار"، على حد تعبيرها.اضافة اعلان
وتعتقد هادية أنها ليست الوحيدة التي تلجأ إلى ألعاب الفيديو في المنزل ليتسلى فيها الأطفال، خاصة وأن هذه الألعاب أصبحت متاحة في كل مكان وعلى الهواتف الذكية، لذا تُفضل أن تكون على شاشة التلفاز بدلاً من شاشة الهاتف، بحيث تكون أوضح وأشمل ولا تؤذي العين بشكل مباشر.
وتنوه هادية إلى أنها تضطر في كثير من الأوقات لمنع طفلها من اللعب المتواصل، خاصة عندما تقرر الخروج من المنزل، ويرفض الذهاب معها، لأنه يريد البقاء في البيت للعب بـ"البلايستيشن".
ولكن، هادية والآلاف من أولياء الأمور قد لا يعلمون أنه مع مرور الوقت وتعلق الطفل بألعاب الفيديو قد يصل إلى مرحلة الإدمان، بحيث يكبر الطفل ويزداد تعلقه بها، ويمتنع عن ممارسة النشاطات الحياتية الأخرى، ليكون وصل إلى مرحلة مرضية، وفق ما نشر مؤخرا عن منظمة الصحة العالمية، بأن "الإدمان على ألعاب الفيديو يُصنف كمرض، تماما مثل الإدمان على المخدرات والميسر".
وعلى الرغم من أنها مؤمنة بشكل واضح بمدى خطورة ألعاب الفيديو على الأطفال، إلا أن أم قيس لم تستطع أن تمنع ابنها ذا الخمسة عشر عاماً من أن يقلل من ساعات اللعب على "البلايستشين" أو ألعاب الفيدو، كونه يتحدى أصدقاءه كل يوم، ولكي يتجنب "عقوبة الأم من الحرمان" يحرص على أن يُكمل درسه مبكراً ليبقى باقي يومه يلعب بدون توقف إلا لتناول الطعام أحياناً، على حد تعبير الأم.
وتقول أم قيس إنها حاولت جاهدة منعه، وتشعر "بالذنب" أحياناً، كما تقول، كون المسؤولية تقع على عاتقها، لوجود زوجها خارج الأردن للعمل، ولا يأتي إلا أياما معدودة خلال العام؛ إذ يجد الابن وقت فراغ طويلا، رغم أنها في وقت سابق قامت بتسجيله في ناد رياضي، ولكنه رفض الاستمرار، بحجة عدم وجود أصدقاء معه.
وما يُشعر أم قيس بالحرج هو كثرة الانتقادات التي يوجهها لها المحيطون من الأقارب والأصدقاء حول وضع ابنها النفسي وحتى الجسدي، وانقطاعه عن العالم الخارجي إلا لساعات قليلة، وتنوي فعلياً أن تقوم بخطوات فعالة للحد من اللعب "الالكتروني"، وذلك من خلال إلحاقه بمعهد متخصص خلال هذه العطلة لتعلم التكنولوجيا وتطوير المهارات الذاتية، بحيث يكون قريبا من اهتماماته.
ولكن، تؤكد أخصائية علم النفس، الدكتورة علا اللامي، أن على الأهل أن يكونوا على قدر كبير من الوعي بعد أن أظهرت الكثير من الدراسات خطورة هذه الألعاب بشكل مبالغ فيه على الأطفال والبالغين في الوقت ذاته، خاصة مع التقارير الصادرة مؤخراً عن منظمة الصحة العالمية التي بينت أن التعلق والإدمان على ألعاب الفيديو أصبحا يُشكلان مرضا تحت مسمى "اضطرابات ألعاب الفيديو"، في النسخة الحادية عشرة للتصنيف العالمي للأمراض.
وبحسب المنظمة، فإن هذا الاضطراب "يتّصل بممارسة ألعاب الفيديو أو الألعاب الرقمية بشكل يفقد معه اللاعب السيطرة، وتحتل اللعبة أولوية متزايدة لديه متفوّقة على الاهتمامات والنشاطات اليومية الأخرى، وبالتالي مواصلة اللعب بما لا يراعي التداعيات الضارّة". وللقول إن شخصا ما مصابا بهذا المرض، ينبغي أن يكون إدمانه على اللعب قد أضرّ بأنشطته الشخصية والعائلية والاجتماعية والثقافية والعملية، وأن يكون هذا الأمر تواصل على ما لا يقل عن 12 شهرا. ويصل الأمر إلى طغيان أولويّة اللعب على الطعام وعلى النوم.
وأكدت اللامي وجود حالات عنف لدى الأطفال ممن يراجعون عيادات الطب النفسي، نسبة كبيرة منهم "يدمنون" ألعاب الفيديو، التي تؤدي لا محالة إلى حدوث حالات مرضية ما بين جسدية ونفسية.
ومن أبرز هذه الحالات التي يمكن أن تظهر على الأطفال، سلوكيات غير سوية سواء من ناحية العنف أو الألفاظ أو حتى السلوك الجنسي، كون بعض الألعاب التي لا يلتفت لها الأهل في كثير من الأوقات قد تحوي مشاهد غير مرغوبة، لا يستطيع الطفل أو المراهق التمييز بين الصحيح وغير الصحيح فيها.
وقد يؤدي الإدمان على ألعاب الفيديو، لتقليل تواصل الفرد مع المحيطين، ويؤثر على الأطفال في مرحلة بدايات الدخول للمدرسة وتكوين الصداقات، بحيث يكون مدمن الألعاب شخصا انطوائيا وكئيبا ويجد صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية وحتى يجد نفسه "فقيرا" في المصطلحات التعبيرية للتواصل، ويميل إلى العنف مع الآخرين.
عدا عن ذلك، فقد أشارت اللامي إلى الأعراض المرضية الجسدية التي قد تتمثل في طول أو قصر النظر وآلام الرقبة والظهر، فقدان الشهية، الكسل والخمول، لذلك على الأهل أن يكونوا جادين في التعامل مع أبنائهم بطريقة مناسبة في هذه الحالة والحد من وصولهم إلى مرحلة الإدمان قبل فوات الأوان.
ومن جهته، يرى الاستشاري والخبير التربوي، الدكتور عايش النوايسة، أن العالم عاش منذ منتصف القرن العشرين تغيرات كبيرة ناتجة عن الانفجار المعرفي، وكان الأثر الأكبر والبارز على الساحة العالمية هو تطور وسائل التقنية، وبشكل متسارع، مما جعل العالم قرية صغيرة، مع تغيير البنية الثقافية في المجتمعات كافة.
ويؤكد النوايسة أن من تبعات ذلك، التطور التكنولوجي الذي أصبح بمتناول أيدي الأطفال عبر الأدوات التقنية مثل (الهاتف النقال، الكمبيوتر، البث المباشر، الإنترنت) تلك الأدوات تؤثر على حياته وسلوكياته بصورة مباشرة بسبب ما تحمله من أفكار ليس في المقدور السيطرة عليها بسهولة نظراً لطبيعة المرحلة النمائية والنفسية.
وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي تقوم به التقنيات المختلفة، المتمثلة في نقل المعلومات والمعارف والاتجاهات والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن النوايسة يرى في المقابل أنها تلعب دوراً خطيراً إذا ما ما تم إساءة استخدامها. فالانفتاح والتعاطي السلبي والاستخدام غير المشروع تترك تأثيرا واضحا على فكر الفرد وسلوكه، وأنماط تفكيره نظراً لما يحدثه من فراغ روحي وفكري لديه.