"إذا غنى الهوى ليلى"!

لا أراها كل الوقت؛ مرة فقط كلما "غنى الهوى ليلى"، وفي النهار أمشي إليها مسافة قصيدة لم تكتب، فكل الصور الشعرية أبطلها مجازها، حتى إذا ما تعبت وقفت، فأعادني الوقوف إليها، وإن أصابني إحساس طارئ بالعبث، وقررت العودة كل طرق الإياب تقودني إلى نقطة الذهاب ماشياً، مهرولاً، متوتراً، مضطرباً؛ فأنا القروي الذي لا يتقن من فنون الرقص سوى المشي خلفها في الطرق غير المستقيمة!اضافة اعلان
لا أراها كل الوقت مرّة فقط حين "أمشي وأضحك يا ليلى مكابرة"، وأسكن مكانا بعيدا عنها، وأبتعد وأقترب مثل طير يتبع ظله، وظلي يتبعها في كل أرض، وظلها يتبعني في كل بلد؛ فكل أرض أقيم فيها تصير بلداً؛ وحبيبة ورائي تحث الحادي:"على بلد المحبوب"!
وأشتاقها إذن حسب "التوقيت المحلي" للمدينة التي تسكننا ولا نسكنها، وأقول بكرم ذكوري طارئ: "اشتقتلك"، فترد بالطمع الأنثوي ذاته: "من وين لوين!" وتسعفني بداهة الأغنية: "من بغداد إلى الصين"!، ويأتيني صوتها، وصوتها أنتظره كما ينتظر طائر الضوء، ولي في صوتها غايتان: أن أستمع إلى "شادية"، وأرى "ليلى علوي"!
وإلى أن أراها قلت مالا أقصده من الكلام، لأقنعها بما لست أعنيه من المعنى، وخسرت في الحب ما لم أجده في العشق، وتسألني مابك، قلت:"لا شيء..غيابك فقط، وقليل من حضورك"، وقليل من غيابها يقتل، وكثير من حضورها يميت، ومن الحب، يا امرأة تغار منها اللغة والمدن والبلاد وكل ما أصيب بالتأنيث، ما يقتل ولا يميت!
وكان الحب يموت بـ "نزلة برد" صحراوية، ومات كثير منه على "الطرق السريعة"، حتى كاد يقتلني حبها الذي غاب ألف زمان قبل الحب. والآن لا أخاف حبَّها..؛ فلا جديد في الحب إلا شكل موته، ومن يخشى الموت بعد الموت؛ فيا امرأة حين تضع يدها على خدها مبتسمة، تحرض الكون كله على الضحك في وجهي العابس، لا يموت الحب إنما نحسن دفنه!
اقتربت منها مقدار مدينة لم نسكنها، وطاولة وقهوة فوق الوسط بقليل؛ عندما تبلغ الرائحة أول خيط في الروح، هناك، في خطوط الفنجان الواضحة، وعدتني بحب في ثلاث نوبات من الجنون؛ صاح الديك في الفجر ثلاث مرات ولم تنكرني، و"جاءت معذبتي"، من بعد "غيهب الغسق"، فمنذ ألف نهار انتظرتها، كما انتظرت هذا الصباح!
وهي أجمل من "صباح الخير" إذا قالتها امرأة لرجل ينتظر القدر منذ "ألف شهر"، حين تقول لي بصوت متعب: "صباحو"؛ أرى الشمس من جهة قلبها، هي النجمة، وما في السماء مجرد لمعان، في ابتسامتها أشاهد "ليلى العدنية" وثلاث نجمات مستحيلات، وفي ذكرها تذكر أسماء الحب "التي توافق اسمها أو كانت منه مدانيا"، وفي قلبي اسمها يكون المبتدأ، ومايتبع مجرد خبر!
و"ليلى" يقولون إنها في مدينة لا تسكنني، مريضة، وأنا الداء والدواء والمداويا، أنا الذي ضيعتني الطرق إليها، وما كنت عاشقا، لكن قلبها شاء، وما كنت مغنيا، لكن حبها غناء، وإني أحبها المرأة التي خلقت مرتين قبل زماني، ولم يجمعنا سوى مكان واحد وشتاء، أسمعها الآن جيداً لكنها لم تقل شيئا يعنيني: وسأقول لها أيضا مالا يعنيها: حبُّنا موسيقا لن يفسدها سوى الشعر الرديء!
لا أراها كل وقت؛ مرّة فقط كلما صار لـ "ليلى مجنون"، وأنا معها أكون بكامل قواي الجنونية، رجل نزق أغار عليها من الهواء إذا طار، لا أذكرها أمام أحد، فمرة حدثت البحر عنها فاستدرجها للسباحة. لا أراها، وإذا لم أسمع صوتها يصير كلام الناس "حركات شفاه"، حاولت ألا أهاتفها؛ لكن الرد الآلي طلب مني المحاولة مرة أخرى. تعبت ولا مبرر آخر لدي لأحبها؛ سوى أنني لست قادرا على ألا أحبها، يبدو أنني صنعت لامرأة كمينا لم أخرج منه بعد!