إذلالنا بـ"الاستثنائية النووية"

احتفل العالم هذا الأسبوع بالذكرى السنوية لمعاهدة حظر الأسلحة النووية. وكان الاحتفال بهذه المناسبة تجليًا آخر للحُمق الجماعي العالمي الذي يُباع على الناس على أنه منتهى الحكمة والحرص على الإنسانية.

كيفَ يُحتفَل بحظر مفروض على الأمم الضعيفة وفاقدة الهمة فقط حتى تظل مطيّة للذين يستقوون عليها باستخدام أسلحة الإبادة الجماعية سيفًا مصلتًا على رقاب العباد؟! كتبت باتريشا هاينز، الناشطة في النضال من أجل عالم خال من الأسلحة النووية: “في مواجهة ضغوط هائلة من الدول المسلحة نوويًا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وافقت 122 دولة في تموز (يوليو) 2017 على حظر الأسلحة النووية. وفي قلب معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية، هناك هدف أخلاقي واضح: حماية شعوب العالم من الكارثة الإنسانية التي قد تترتب على استخدام الأسلحة النووية”.‏ فيها الخير هذه الولايات المتحدة والنوويون الآخرون الحريصون على “حماية الشعوب” من الأسلحة النووية. وفي الحقيقة، ينتمي هذا الحدث إلى الغرائبيات والسورياليات التي تُعرض على أنها جزء من المنطق. كان الذي حدث أن الدول الـ122 التي وافقت على عدم تطوير برامجها النووية الخاصة وافقعت فعليًا على السماح للنوويين بالدوس على رقابها وتهديد شعوبها، وكان ينبغي أن تتعهد الدول النووية بالتخلص من ترساناتها النووية وتتساوى مع الآخرين في الخضوع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أي جهات رقابية نزيهة بهدف تخليص البشرية من الرعب النووي، وتفترض هذه الدول في نفسها الرصانة والانضباط الغائبين عن بقية البشر الذين قد يُجنون إذا امتلكوا الأسلحة – بينما كانت الولايات المتحدة بالذات هي التي أبادت الناس بقنابلها النووية، وتهدد روسيا الآن باستخدامها. في الحقيقة، ثمة الذين يشيرون إلى تهافت “المنطق” وراء الاستثنائية النووية، على سبيل المثال، قدم نائب في الكونغرس الأميركي، جيم ماكغفرن، مشروع قرار إلى مجلس النواب لتبني أهداف وأحكام معاهدة حظر الأسلحة النووي، لكنه ينص على أنه “في حين أنه منذ ذروة الحرب الباردة، قامت الولايات المتحدة وروسيا بتفكيك أكثر من 50.000 رأس حربي نووي، فإن 14.500 من هذه الأسلحة ما تزال موجودة، وتشكل خطرًا لا يطاق على بقاء الإنسان”. أربعة عشر ألفًا وخمسمائة قنبلة نووية (وهيدروجينية والله يعلم ماذا)، غير الأعداد غير الأكيدة لدى الدول التي امتلكت أسلحتها النووية قسرًا وقهرت المهيمنين النوويين التقليديين بامتلاك أدواتها الخاصة للردع وحمت نفسها بها منهم – ويحتفل العالم بمعاهدة الحظر بهذه المواصفات؟ بالنسبة لنا في العالم العربي، غني عن القول أننا لا في العير ولا في النفير عندما يتعلق الأمر بموازين القوة. فنحن، بعد كل شيء، أناس ملتزمون تماماً بالسلام لدرجة أننا لن نحاول سرًا ولا علنًا امتلاك قنابلنا النووية الخاصة. وسوف نوقع بالتأكيد على أي معاهدات “حظر” تحظر علينا هذه المحاولات. لا يهم أن الكيان الصهيوني يهددنا بـ”خيار شمشون” ويعِد بهدم المعبد على الجميع بترسانته من مئات الأجهزة النووية. ولا يهم أن إيران أصبحث بعبع العرب بسبب مشروعها النووي، لدرجة أنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان –حرفيًا- في شكل العدو الصهيوني، ليحتموا ربما بترسانته النووية. المفارقة أن السبيل الوحيد لسلام البشرية، عندما يخص الأقوياء أنفسهم بحق امتلاك أسلحة الإبادة الجماعية، هي أن تمتلك كل دول العالم هذه الأسلحة، حتى تأمن شعوبها الإبادة على قاعدة “الردع النووي المتبادل”. الآن، لا يجرؤ الغرب كله مجتمعاً على دخول الحرب ضد روسيا بسبب الخوف من ردها النووي القاسي. ويخافون كلهم من كوريا الشمالية، التي يصفونها بالدكتاتورية والجائعة، خوفاً من صواريخها النووية. وفي السابق، دمروا ليبيا العربية بلا تردد لأنها تخلصت من مشروعها النووي. وضربوا مفاعلات العراق وسورية في مهدها حتى تبقى دولنا وشعوبنا تحت رحمة الكيان الصهيوني والمهيمنين العالميين. من حيث المبدأ، ينبغي أن ندعو إلى عالم خال تماماً من الأسلحة النووية من دون استثناءات –وأول ذلك المستعمر الاستيطاني الصهيوني في منطقتنا، لكن من أسوأ خيانات الذات أن نوقع على أي معاهدات تعطي لآخرين حقًا في الاستثناء، وإذا كان الآخرون لا يخجلون من تخويفنا بما لديهم، فإن دولنا لا تخجل إذا لم تبذل كل جهد وحيلة لتمتلك قنابلها الخاصة –لا تخجل حين تضع شعوبها في الوضع المخجل الذي ينطوي عليه إبقاؤهم هدفًا للإذلال وكل أنواع الانتهاكات، بل وحتى الإبادة جملة وتفصيلًا.

المقال السابق للكاتب :

أين مساهمات الأثرياء؟!

اضافة اعلان