إرهاب على منصة الكنيست

سجلت العنصرية التي يواجهها النواب العرب في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، في الأيام القليلة الماضية، ذروة جديدة، تمهد لذروة أشد خطورة، من خلال مشروع قانون يسمح بإقصاء نائب عن كل الولاية البرلمانية. ويقود الحملة الجديدة بنيامين نتنياهو ذاته، على خلفية لقاء النواب الثلاثة، جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس، عائلات الشهداء التي لم تتسلم جثامين أبنائها. والمعركة الدائرة في الكنيست حاليا، تثبت من جديد أن الكنيست هو أيضا حلبة مواجهة وتحد للصهيونية في عقر دارها، لكشف وجهها الحقيقي أكثر.اضافة اعلان
وكل القضية في خلفيتها أن النواب الثلاثة من حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" في "القائمة المشتركة"، كانوا قد التقوا ممثلين عن عائلات شهداء لم تتسلم جثامين أبنائها، للبحث في سبل تسلمها. وجمع النواب المعلومات وعرضوها على الوزراء ذوي الشأن، إلا أنه بعد يومين من اللقاء واطلاع الوزراء عليه، قرر نتنياهو أن يستغل الأمر لشن حملة تحريض جديدة، مرتكزا على أن اللقاء افتتح بقراءة الفاتحة، وهذا بنظر نتنياهو وقطيعه، علامة على دعم ما يسميه "إرهابا".
والمحطة الأولى لهذه الحملة، كانت بقرار من "لجنة السلوكيات" البرلمانية بإبعاد النائب زحالقة لشهرين، والنائبين زعبي وغطاس أربعة أشهر. لكن هذا لم يكف نتنياهو، فهو يبادر الآن إلى سن نظام جديد يسمح لـ90 نائبا من أصل 120 نائبا، بإقصاء أي نائب لكامل الولاية البرلمانية في مثل هذه الحالة التي أمامنا وما شابهها. وهذا مشروع مستوحى من "الرايخستاغ" النازي في منتصف الثلاثينيات، بحسب ما ذكّرهم به النائب التقدمي عضو "القائمة المشتركة"، عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، دوف حنين، من على منصة الكنيست، في واحدة من الجلسات العاصفة التي شهدتها الهيئة العامة للكنيست في الأيام الأخيرة.
والعنصرية الصهيونية تتصاعد باستمرار، لأن الفكر الصهيوني قائم أساسا على العنصرية، وكذا الحُكم الإسرائيلي منذ ظهوره. لكن جديد السنوات الأخيرة، هو دمج أساليب العصابات المنفلتة بالعنصرية الرسمية، تماما كانفلات عصابات المستوطنين الإرهابية المسماة "شارة ثمن"، من دون أن تجد من يردعها. وهذا نشهده أيضا في جلسات الهيئة العامة، كما جرى مع النائب حنين زعبي، حين وقفت على منصة الكنيست لتلقي خطابا قبل يوم من صدور قرار إقصائها. إذ لم يسمح لها النائب من "الليكود" أورن حزان، الذي ارتبط اسمه بشبهات تتعلق بالعالم السفلي، أن تكمل ولو جملة واحدة، وسط تواطؤ واضح من رئيسة الجلسة من حزبه، وبخلاف كل الأنظمة التي ينص عليها نظام عمل الكنيست. وتم إنزال زعبي عن المنصة بفظاظة عند انتهاء مدة النقاش المخصصة لها، رغم أنها لم تلق الخطاب عمليا.
والهجوم الجديد، وإن استهدف حاليا نواب "التجمع"، إلا أنه يستهدف تمثيل فلسطينيي 48 كله. فالقائمة المشتركة التي تضم 13 نائبا، وقبلها الكتل الثلاث التي توحدت في الانتخابات الأخيرة، تشكل أحد العوامل المركزية لعدم حصول أحزاب اليمين المتطرف، ومعها الأحزاب الدينية المتزمتة، على أغلبية حاسمة أكبر في الكنيست، تضمن لها استقرارا أكبر لحكمها. ولذا يبحث نتنياهو بشكل دائم عن حل لهذه المعضلة، من خلال تصعيد التحريض على فلسطينيي 48. وقد سبق هذا قبل ثلاثة أشهر، قرار بحظر الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي). فرغم أن الحركة لا تشارك في الانتخابات البرلمانية، إلا أن الهدف هو ضرب شرعية العمل السياسي وحرية التعبير. فهذا قرار سياسي صدر عن الحكومة، رغم اعتراف الأجهزة الأمنية بعدم وجود مبررات له.
يظهر من حين لآخر الجدل حول جدوى وجود فلسطينيي 48 في الكنيست. إلا أن معركة فلسطينيي 48، وبالأساس معركة البقاء والحفاظ على الهوية، تتطلب تشابك الكثير من المسارات الكفاحية والنضالية. وهم يؤكدون أن المعركة على الحقوق المدنية نابعة أساسا من كونهم أصحاب البلاد، وليس من باب المواطنة الإسرائيلية التي هبطت عليهم. والدخول إلى الكنيست والمشاركة في العملية الانتخابية، هما ساحة مواجهة مباشرة. وهذا ما كان منذ الدورة الأولى للكنيست، حينما كان يتمثل موقف فلسطينيي 48 الوطني من خلال كتلة الحزب الشيوعي، ولاحقا -ابتداء من الثمانينيات- حينما بدأت تظهر قوائم أخرى، واليوم حينما تتوحد كل هذه القوى في قائمة واحدة، جعلت الصهيونية يجن جنونها، وهي ترى فلسطينيي 48 موحدين.