إرهاب في "الكمالية"!

شهد حي الكمالية شمال العاصمة عمان، فجر أمس، عملية أمنية ضد مجموعة مسلحة، انتهت بالقبض على جميع أفرادها. إلى هنا يبدو الخبر عاديا؛ فالأجهزة الأمنية تنفذ باستمرار أعمال دهم لاعتقال أفراد ومجموعات متورطة في أعمال سرقة أو متاجرة بالمخدرات. لكن اللافت في عملية الكمالية، وصف مديرية الأمن العام للمجموعة المسلحة بـ"الخلية الإرهابية"، وأنها كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية تخل بالأمن والنظام العام في المملكة، إضافة إلى قيامها من قبل بأعمال سلب وسطو مسلح، وقتل وابتزاز وقطع طرقات.اضافة اعلان
لم يكشف الأمن تفاصيل أكثر عن هوية المجموعة الإرهابية، ولا طبيعة مخططاتها للإخلال بالنظام العام، لكن اللجوء إلى استخدام قوات النخبة من أفراد مجموعة التدخل السريع ومكافحة الإرهاب، إلى جانب المروحيات العسكرية، وفرض حالة أمنية استثنائية في عموم المنطقة، فتح الباب لتكهنات كثيرة حول نوعية الأماكن العامة التي كانت المجموعة الإرهابية تخطط لاستهدافها.
لقد ارتبط وصف الخلايا الإرهابية بالمجموعات المسلحة التي تتبنى أجندة سياسية متطرفة، وتحاول فرضها بقوة السلاح والقتل. وعرف الأردن على مر تاريخه أشكالا مختلفة من الإرهاب الموجه ضد الدولة ورموزها في الداخل والخارج، كاغتيال الدبلوماسيين في السفارات الأردنية. لكن إرهاب تنظيم القاعدة في العقد الأخير كان أخطر أشكال الإرهاب السياسي الذي شهدته دول المنطقة، ومن بينها الأردن. في العملية الأخيرة ثمة تطور يطرح سؤالا مشروعا: هل يمكن لعصابة من "الأشرار" متخصصة في أعمال السرقة، أن تتحول إلى مجموعة إرهابية بأجندة سياسية؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، ما الفائدة التي تجنيها مجموعة من "الحرامية" عند القيام بأعمال "تخل بالأمن والنظام العام في المملكة"؟ وإذا حدث مثل هذا التحول فعلا في عمل المجموعات المسلحة، فأي نوع من التحديات الأمنية ينتظرنا؟
المناخ الداخلي، والتطورات الدراماتيكية على الجبهة الشمالية للمملكة، تغري بتكهنات وتأويلات مختلفة لعملية الكمالية. فالقلق من حالات الفلتان الأمني، واتخاذ الاحتجاجات المطلبية طابعا عنيفا، وتنامي مظاهر التحدي للنظام العام، تغذي مخاوف أوساط اجتماعية واسعة من خطر وشيك يهدد الاستقرار في البلاد. كما أن تطورات الأزمة السورية، والقلق المتزايد من انتقال أعمال الفوضى والعنف إلى دول الجوار، وما تردد مؤخرا من أنباء عن خلايا سورية نائمة في الأردن تخطط للقيام بأعمال إرهابية، تدفع إلى الاعتقاد بأن كشف مجموعة "الكمالية" يندرج في سياق سيناريو الفوضى في الأردن، والذي تسعى إليه قوى إقليمية ودولية.
بيد أن هناك من يرى أن إضفاء طابع استعراضي على عملية دهم تقليدية في الكمالية، يهدف إلى إظهار قوة الدولة في لحظة اضطراب داخلي وإقليمي، والضرب على وتر حساس لدى أغلبية المواطنين وهو الاستقرار، وحشد هذه الأغلبية خلف شعار حماية الاستقرار باعتباره أولوية عند الجميع لا يمكن التفريط بها، لا بل تتقدم على الإصلاح أيضا.
في كل الأحوال، العملية نوعية وجريئة، وتظهر قدرة الأمن الأردني على التعامل مع كل التحديات التي تهدد البلاد. لكن الوصف الذي حملته، وحجم القوة المستخدمة، يطرحان فيضا من الأسئلة التي تتطلب إجابات تفصيلية، كي لا تصبح العملية الأمنية سببا إضافيا للشعور بعدم الأمان.

[email protected]