إسراء وآلاء.. تجدان في "السباكة" مهارة وإثباتا للذات

اسراء عبابنه والاء ابو الهيجاء خلال المقابلة في "الغد" - (تصوير: اسامه الرفاعي)
اسراء عبابنه والاء ابو الهيجاء خلال المقابلة في "الغد" - (تصوير: اسامه الرفاعي)

تغريد السعايدة

عمان- بيديها الناعمتين اللتين لم تعتادا على الأعمال الصعبة، ولجت إسراء عبابنة مهنة "السباكة"، وأصبحت ضمن مجموعة من الفتيات اللواتي يعملن في حرفة، ظلت إلى حين حكرا على الرجال.اضافة اعلان
"بنت سباكة" مصطلح نادر سماعه في المجتمع، إلا أن إسراء وجدت في نفسها فتاة قوية إلى الحد الذي تستطيع به أن تتجاوز أي معايير "غير مؤثرة"، واخترقت مهنة  "السباكة" وصيانة البيوت، وخاضت التجربة العملية حتى أصبحت "عاملة محترفة" في هذا المجال.
وتعتبر مهنة "السباكة" من المهن التي تحتاج إلى حرفة ودقة في العمل، بالإضافة إلى تحلي صاحبها بالقوة والصبر لما قد يواجهه في هذا العمل، وتحققت هذه المتطلبات في "إسراء"، التي حجزت لنفسها مكانا فاعلا لإثبات الذات، وخدمة عائلتها والمجتمع، من خلال امتهان هذه الحرفة.
و"السباكة" عبارة عن حرفة تركيب نظام أنابيب المياه في المباني لتوزيع مياه الشرب والتدفئة والصرف الصحي، ووظيفة "السباك" هي القيام بتمديد هذه الشبكة والإشراف عليها، وهي من أساسيات البناء والتنظيم، وللعامل فيها العديد من المسميات تختلف باختلاف المجتمع، ومنها: السمكري، المواسرجي، وغيرها من المسميات.
ولا تجد "إسراء" الحاصلة على شهادة جامعية في تخصص التربية الرياضية، أي ضير من هذه المسميات؛ معتقدة بأنها، في نهاية المطاف وظيفة وحرفة، يثبت فيها الإنسان نفسه كسائر الوظائف والمهن، ومن خلال انضمامها إلى جمعية "السباكات الرائدات الأردنية"، أصبحت إسراء تحمل خبرة كبيرة في هذا المجال.
وتعمل "إسراء" على أداء وظيفتها بكل تفان، عدا عن كونها تقوم بتدريب بعض الفتيات الراغبات في الإنضمام إلى هذا الركب من العمل في "السباكة"، ومواجهة أي عائق مجتمعي، قد يحول دون ممارسة الفتاة لهذا العمل، الذي ترى فيه "مصدر دخل وإثبات وجود".
وعن طريق الصدفة، إلتحقت "إسراء" وبعض زميلاتها في دورة خاصة بتعليم "السباكة" في معهد التدريب المهني، بالتعاون مع الوكالة الإلمانية للإنماء الدولي، والتي يتم من خلالها تعليم الفتيات كل ما يخص هذه المهنة، ولمدة شهرين، بحيث تمكنت من إكتساب المعرفة الكاملة بتفاصيلها.
وبذات الوقت، توضح إسراء، لم يكن لديها "النية" بأن تصبح فتاة عاملة بشكل رسمي في هذا المجال، ولكن من خلال عدة فعاليات في مجال العمل التطوعي التي شاركت بها إسراء خلال زيارة دور المسنين، وتقديم العون لهم من خلال عمل صيانة للمنزل الذي يعيشون به، وانصب عملها على صيانة الأنابيب، وإصلاح أي عُطل فيها، بالإضافة إلى تركيب قطع التوفير المخصصة لصنابير المياه.
ومن هنا، تولد الحافز لإسراء بأن تتجه إلى العمل وتحجز موقعا لها بين "السباكين"، وواجهت ثقافة العيب في المجتمع، بأن تعمل الفتاة في هذا المجال أو الأعمال الأخرى التي اقتصرت على الرجال فقط.
تشير إسراء إلى أن موقع جمعية "السباكات الرائدات الأردنية" في مدينة إربد، وهو ذات مكان سكنها، ساهم في تذليل الصعاب في تعلم هذه المهنة، وتلفت بأن هذه الجمعية، تأسست العام 2014، وتضم الآن مالا يقل عن خمس وعشرين فتاة تعمل في هذا المجال، منهن من وصل إلى درجة "ماهر، ومحترف" في العمل، وهي الجمعية الوحيدة التي تحتضن النساء العاملات في "السباكة".
زميلة إسراء في التدريب والعمل آلاء أبو الهيجاء تؤكد أنها حظيت بدعم وتشجيع والدها على هذه المهنة، والذي بادر إلى تسجيلها في هذه الدورات الخاصة، مبينة أنها وجدت نفسها في البداية غير متقبلة للوضع العام ولمهنة "السباكة"، ولكن مع مرور الوقت ووجود مدربين "رائعين" تقبلت الوضع على حد تعبيرها.
وتصف، أنها وجدت في هذا المكان فرصتها للدخول في عالم المهنة الذي تستمتع بها حاليا، بل وتفخر بأن تصبح جزءا من المنظومة العملية.
"إسراء" وجدت الدعم من المحيطين بها، وبخاصة "خالها" الذي قدم لها الدعم والتشجيع على اقتحام هذا العمل، والانتساب لهذه الدورات، والتي ترى فيها فرصة بأن تتعلم السيدة شيئا جدياد وحرفة قد تساعدها في حياتها اليومية في منزلها.
وتوضح "إسراء" سبب إقبالها والعديد من الفتيات في التدريب على مهنة "السباكة" خلال الدورة التي التحقن بها، هو وجود المدربة الألمانية التي قامت بتدريبهن، ففكرة وجود "مدربة" هو محفز للمرأة بأن يصبح لها دور وخبرة في هذا المجال، وعليه هناك العديد من السيدات الأردنيات اللواتي يعملن "مدربات" في الوقت الحالي، ويدربن الفتيات في جمعية "السباكات الرائدات الأردنية".
ومن خلال وجودهما ضمن فريق مؤسسة "جاهزون للصيانة" فإن إسراء وآلاء تقومان بالعديد من الأعمال المميزة في مجال "السباكة"، بالإضافة إلى بعض الأعمال الفنية الأخرى، منها إعادة تدوير بعض القطع المستخدمة في الصيانة، كما أن وجود تعاقد ما بين شركة "جاهزون للصيانة" وشركة "زين" ساهم في فتح المجال لهن مع باقي الزميلات بإيجاد فترة عمل بين الحين والآخر.
ولا تخفي إسراء وزميلاتها أنهن يتعرضن في بعض الأحيان لإحدى التعليقات، التي لا تقبل فكرة عملهن في هذا المجال، وعدم تقبل وجودهن في هذا المكان، مؤكدةً أنها لا تجد في هذا العمل أي تأثير على "أنوثة الفتاة كإمرأة"، بل على العكس تثبت أن المرأة جديرة بالثقة في كل محفل، ومكان، وبأي مهمة يمكن أن توكل إليها.
قامت إسراء وآلاء مؤخرا بتصميم برنامج توعوي خاص لطلبة المدارس، تقومان من خلاله بعمل ورشات توعوية لهم في مجال توفير المياه، بالإضافة إلى ورشات توعوية للعديد من الموظفين في عدة مؤسسات، كما في وزارة المياه.
وترى إسراء وآلاء نفسيهما وهما تقومان بهذه الأعمال، بأنهما فتاتان في مقتبل العمر ولديهما العزيمة على الإنتاج والتقدم، بالإضافة إلى كونهما حصلتا على دورات متعددة في مجال الطفولة والتنمية البشرية، والرعاية للأحداث، والأعمال التطوعية والكثير من المجالات.
وتطمح إسراء وآلاء إلى إنشاء مؤسسة "خدمية" خاصة بهما في المستقبل، تقومان من خلالها بتوفير فرصة لهما لزيادة أعمالهما، وإيجاد فرص عمل لمجموعة من الفتيات والشباب كذلك، ولكن هذا الأمر يتطلب وجود إمكانيات "كبيرة" ودعم للبدء بالخطوة الأولى لهذا المشروع.