إسرائيل تجرّمنا بمآسينا

حذر تقرير إسرائيلي جديد من أن عدم انخراط فلسطينيي 48 من جهة، والمتدينين اليهود المتزمتين "الحريديم" من جهة أخرى، في سوق العمل بالنسب القائمة بين اليهود في إسرائيل والنسب العالمية، سينعكس مستقبلا بشكل سلبي على النمو الاقتصادي بدرجة أكبر مما هي عليه الحال اليوم. ولكن بما أن حرمان فلسطينيي 48 من فرص العمل هو سياسة استراتيجية تتبعها المؤسسة الصهيونية منذ عقود، فإن تقارير كهذه لا تهز المؤسسة الحاكمة، لا بل إنها تجرّم العرب بعدم انخراطهم في سوق العمل، وتحمّلهم مسؤولية سياسة التمييز العنصري.اضافة اعلان
وتؤكد مختلف التقارير الإسرائيلية أن نسبة انخراط العرب في سوق العمل أقل من نسبة انخراط اليهود. وما يزيد الطين بلّة في هذا المجال، أن نسبة البطالة بين العرب تصل إلى أربعة أضعاف النسبة العامة، وستة أضعاف نسبة البطالة بين اليهود.
وفي حين أن "الحريديم" الذين يشكلون نحو 15 % من اليهود في إسرائيل، يمتنعون بغالبيتهم الساحقة عن الانخراط في سوق العمل لأسباب دينية، ولتجنب الانخراط في المجتمع العلماني؛ فإن العرب محرومون من فرص العمل، وبالذات جمهور النساء اللواتي تصل نسبة انخراطهن في سوق العمل إلى 30 % بالكاد، مقابل انخراط 58 % من نساء اليهود.
وسياسة حرمان العرب من دخول سوق العمل هي سياسة استراتيجية للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، وتمثل ذراعا أساسية في السياسة الرامية إلى جعل العرب شريحة اجتماعية فقيرة، تلهث وراء قوت يومها. فالبلدات والمناطق العربية محرومة من وجود مناطق صناعية وأماكن عمل، كما هي محرومة من دخول الغالبية الساحقة جدا من المؤسسات الرسمية والعامة، التي تعد هي أيضا أماكن عمل.
لهذا، نجد أن أكثر من 70 % من القوة العاملة العربية في إسرائيل تضطر لمغادرة بلداتها يوميا إلى أماكن عمل بعيدة في غالبيتها، وبما يجعل العاملين العرب دائما عرضة للفصل من عملهم؛ فالعرب آخر من يجدون عملا، وأول من يتعرضون للفصل. كذلك، فإن غياب أماكن عمل في البلدات العربية هو السبب الأساسي لعدم قدرة النساء العربيات على الانخراط في سوق العمل.
وإلى جانب انخفاض نسبة الانخراط في سوق العمل، نجد أن نسبة البطالة بين العرب تتراوح ما بين 23 % إلى 25 %، في حين أن معدل البطالة في إسرائيل في حدود 6.5 %، بينما نسبة البطالة بين اليهود بالكاد تتجاوز نسبة 4 %، وهي في المناطق الكبرى، مثل تل أبيب، أقل من 2 %.
ونضيف إلى كل هذا أن المأساة في قطاع العمل لا تتوقف عند هذا الحد. إذ بحسب التقارير الرسمية، فإن معدل رواتب العرب يصل إلى 66 % من المعدل العام للرواتب في إسرائيل، و60 % من معدل رواتب اليهود الشرقيين،
و50 % من معدل رواتب اليهود الغربيين "الأشكناز". والحال تكون أسوأ في معدل رواتب النساء العربيات، والذي بالكاد يصل إلى 45 % من المعدل العام للرواتب في إسرائيل.
أما ذرائع المؤسسة الإسرائيلية، فهي أن العرب ليسوا معنيين بالانخراط في سوق العمل، ويفضلون تلقي مخصصات اجتماعية، رغم شحها. كما تدّعي هذه المؤسسة أن "العادات والتقاليد العربية" تمنع انخراط النساء في سوق العمل. وهذا كذب تفضحه نسبة البطالة بين النساء العربيات اللواتي بحوزتهن شهادات أكاديمية ومهنية؛ إذ تصل البطالة بينهن إلى
30 %، في حين أن 50 % من هذه الشريحة يعملن في وظائف مستواها أقل من قدراتهن العلمية والمهنية.
وتجريم الضحية بمأساتها هو نهج قائم في إسرائيل والحركة الصهيونية برمتها، ويسري على كل مناحي الحياة التي يواجه فيها فلسطينيو 48 تمييزا عنصريا صارخا؛ مثل شح أراضي البناء نظرا لمصادرتها لصالح اليهود، وتضييق الخناق في قضايا المسكن، وغيرها. بل ويسري هذا الأمر حتى على نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948؛ إذ بحسب الصهيونية، فإن الفلسطينيين "غادروا وطنهم بإرادتهم"! وتتنكر الصهيونية لكل المجازر الإرهابية التي ارتكبتها.
ورغم كل هذا، فإن ما يقض مضاجع الصهيونية هو أن فلسطينيي 48 يواصلون تطورهم، ولو بوتيرة أضعف من الوتيرة القائمة في إسرائيل. وهذا بفعل نضال يومي وعام، من أجل حياة أفضل وصمود وبقاء.

[email protected]