إسرائيل تخرج عن طورها كي تعوض "حماس"

1660045747084072700
1660045747084072700

هآرتس
بقلم: عاموس هرئيل
9/8/2022

احتمالات نجاح وقف إطلاق النار بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، الذي تم التوصل اليه بوساطة مصرية حثيثة، تبدو في هذه الاثناء جيدة جدا. الجهاد الإسلامي خرج جريحا بما فيه الكفاية من هذه المواجهة، والأطراف الأخرى في الازمة (إسرائيل وحماس ومصر) معنية بدرجة كبيرة باستمرار الهدوء، من أجل أن يتم الحفاظ عليه لفترة طويلة. على المدى البعيد، رغم الإنجازات العملياتية للجيش والشاباك والرضى عن النفس في المستوى السياسي عشية الانتخابات، إلا أن مشكلة غزة بقيت على حالها. أول من أمس ظهر في إسرائيل أمل معين بأنه يمكن استغلال هذه الجولة العسكرية للدفع قدما بعملية مدنية اكثر نجاحا مع حماس، التي ربما حتى تضمن صفقة سجناء جديدة. ولكن احتمالية ذلك لا تبدو كبيرة في المدى الزمني القريب.اضافة اعلان
بصورة تختلف عن السابق، وحتى مفاجئة، رفعت إسرائيل على الفور العقوبات المدنية عن القطاع. الحركة في المعابر لاسباب إنسانية (الذهاب للعلاج وإدخال الأدوية والبضائع الضرورية) تم استئنافها صباح أول من أمس، بعد تسع ساعات تقريبا من دخول اتفاق وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ. صباح أمس تقرر استئناف دخول العمال من القطاع. في الحكومة، لا سيما في الشباك على اعتبار أنه الجسم المهني المخول، يأخذون هنا على مسؤوليتهم مخاطرة محسوبة. في عملية "بزوغ الفجر" قتل ايضا مدنيون فلسطينيون. شخص ما يمكن أن يرغب في الانتقام لهم.
بالإجمال، إسرائيل خرجت عن طورها من أجل مكافأة حماس على اختيار عدم المشاركة في العنف ضدها، باستمرارية مباشرة للسياسة المدنية المخففة التي تتبعها في القطاع فان حكومة لبيد – بينيت منذ بداية ولايتها في حزيران (يونيو) الماضي. توجد هنا مجازفة إسرائيلية بعيدة المدى. الافتراض هو أن وضع البنى التحتية والاقتصاد في القطاع سيئ جدا الى درجة أن حماس، استنادا إلى مسؤوليتها عن حياة السكان، ستفضل اختيار الهدوء لفترة طويلة.
بعد العملية يوجد تردد بين رؤية نصف الكأس الملآن والنصف الفارغ. الحكومة اختارت التركيز على النصف الملآن، لكن ايضا يمكن الادعاء ضد قرار الحكومة بأن التفاهمات مع حماس كان يمكن أن تشمل هدوءا أمنيا كاملا مقابل تسهيلات اقتصادية كبيرة ودخول العمال. عمليا، حماس لم تنجح (ربما هي لم تحاول بشكل كبير) في ضبط الجهاد الإسلامي عندما دفعته إسرائيل إلى ذلك. باختصار، إسرائيل تتمسك بكل القوة بسياستها السابقة، تسهيلات متزايدة لحماس، على أمل التوصل إلى استقرار بعيد المدى. ربما كان يجب أن نضيف مسبقا نجمة تحفظ للتسوية مع حماس: التعهد بالهدوء لا يسري على اصدقاءنا في الجهاد الاسلامي ولا تقع علينا مسؤولية ضبطهم.
عمليا، جهاز الامن سجل سلسلة نجاحات مثيرة للانطباع، من بينها مجرد تقليص المعركة إلى ثلاثة أيام تقريبا. المعلومات الاستخبارية الدقيقة والتعاون المستمر بين الاستخبارات العسكرية والشباك وسلاح الجو مكنت من المس المنهجي بكبار قادة الذراع العسكري في الجهاد، الاستعداد السليم في الجبهة الداخلية، وبالاساس اللمسة السحرية للقبة الحديدية (69 % من الاعتراضات)، قللت الضرر الى الحد الأدنى. فقد تم اطلاق 1200 صاروخ وقذيفة هاون من القطاع، وهي تسببت فقط باصابات طفيفة وشظايا. ورغم اطلاق عشرات الصواريخ نحو القدس وغوش دان ومطار بن غوريون إلا أن جزء منها كما يبدو لم يصل الى هدفه. تقريبا 20 % من القذائف سقطت في اراضي القطاع وتسببت هناك باصابات في اوساط المدنيين اكثر مما تسبب له الجيش الإسرائيلي بالخطأ.
أيضا عمليات أخرى لم تنجح، جميع جهود الجهاد لجباية ثمن من اسرائيل فشلت. استراتيجيا الجهاد لحقت به اخفاقات اخرى. فهو لم يجر حماس الى مواجهة مع اسرائيل ولم ينجح في اشعال ساحات اخرى. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، قام بالقاء خطاب آخر شديد، لكنه لم يحرك أي ساكن من اجل مساعدة شركائه في النضال في غزة.
الآن، مثلما هي الحال دائما، من الجدير الحفاظ على التناسب. بمفاهيم (المقاومة)، ومقارنة مع المواجهة مع حزب الله وحماس، فان الجهاد الاسلامي هو مثل منتخب خفي يقتصر على فئة معينة تم ارساله الى مباريات المكابي. في العادة يكون هذا الفريق قادر على استغلال النقاط العمياء في استعدادات إسرائيل لشن هجوم مفاجيء. ولكن يبدو أنه في حالة الطوارئ كانت أفعاله تقريبا مكشوفة للاستخبارات الإسرائيلية. جهاز الأمن عمل بشكل جيد واعتمد على نقاط قوته (الدمج بين سلاح الجو والتكنولوجيا والاستخبارات، اضافة الى سلاح الجو)، كل ذلك لا يلغي الحاجة الى ابراز قدرة وحدات سلاح البر، بالاساس تغيير نظام الاحتياط. من المفضل أن لا نحتاج اليه، لكن لا يوجد للجيش أي خيار عدا عن الاستعداد لسيناريوهات اسوأ، التي فيها الجيش يمكن أن يحتاج الى عملية برية.
على المستوى السياسي، الى جانب تنسيق وثيق بين رئيس الحكومة يئير لبيد ووزير الدفاع بني غانتس، ظهرت علاقة موضوعية مع المستوى العسكري برئاسة رئيس الاركان افيف كوخافي. وخلافا لعدد من عمليات السابق لم يكن هناك ضغط من الحكومة على الجيش والشباك من اجل اطالة العملية، في محاولة لتحقيق المزيد من صور الانتصار عديمة الأهمية الحقيقية. لبيد وغانتس لاحظا بشكل دقيق سير الأمور وسعيا الى انهاء سريع. وقد تم تحقيق ذلك بالاساس بفضل تدخل المخابرات المصرية.
اذا تقدمت الحكومة بخوف معين للاختبار على خلفية نقص التجربة النسبي للبيد في المجال الأمني فان الامر لا يتبين من خلال الاحداث نفسها. من الممتع جدا رؤية ازمة الثقة التي يمر بها البيبيون في الشبكات الاجتماعية. ورغم كل الشتائم التي وجهوها إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن حكومة الوسط تراجعت امام (المقاومة). ايضا وعد مصر للجهاد بالاهتمام بسلامة السجينين الأمنيين المحتجزين في إسرائيل، ضبابي بما فيه الكفاية كي لا يعتبر تنازل إسرائيلي.
صرير واحد تم تسجيله مع ذلك. فالوزير نيتسان هوروفيتس احتج وبحق على قرار لبيد وغانتس عدم عقد الكابنت الأمني للمصادقة على الضربة الاستباقية التي قام بها الجيش الإسرائيلي، والتي شملت تصفية شخصية رفيعة في الجهاد وهي تيسير الجعبري. الاثنان قالا إن قرارهما تمت المصادقة عليه من قبل المستشارة القانونية للحكومة، المحامية غالي بهراف ميارا. في حين أن المستشارة اوضحت بأنه حسب رأيها فان العملية لا تتفق مع نص المادة 40 في قانون الاساس: الحكومة، التي تنص على أنه لا يتم القيام بـ "عملية عسكرية مهمة والتي يمكن أن تقود إلى حرب بدرجة يقين شبه مؤكدة" إذا لم تتم المصادقة عليها في الكابنت. قرارها، قالت، يستند الى رأي الاستخبارات.
مع ذلك، هذا يعتبر حد رفيع جدا. ففي ايلول (سبتمبر) 2019 تم الكشف في "هآرتس" عن قضية "ليلة الصواريخ نحو اسدود. بعد أن اطلق الجهاد الاسلامي صاروخ واجبره على قطع اجتماع لليكود في اسدود قبل اقل من اسبوع من جولة الانتخابات الثانية للكنيست، حاول رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، القيام بعملية كبيرة ضد الجهاد في القطاع. المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، خشي من أن نتنياهو يريد تجاوز رؤساء الاجهزة الامنية والكابنت، وطلب منه عقد الكابنت. العملية تم تأجيلها في النهاية لشهرين. رغم الفرق بين الحالتين، ربما أن هذه السابقة كان يجب أن تقف امام ناظري المستشارة القانونية الحالية.
وقف اطلاق النار أدى الى تنفس صعداء مفهوم من جانب الكثير من الاسرائيليين. وحتى الآن هذا يمكن أن يكون صيف طويل ومتوتر. في الشمال لم تتم بعد تسوية مسألة الحدود البحرية مع لبنان، وحزب الله يواصل التهديد لمنصة الغاز الاسرائيلية "كريش"، وايران والدول العظمى لم تبلور بعد اتفاق نووي جديد في الوقت الذي تواصل فيه طهران مراكمة اليورانيوم المخصب وبكميات كبيرة، وفي الساحة الفلسطينية السلطة الفلسطينية تواصل فقدان السيطرة على ما يحدث في الضفة الغربية، ومن غير الواضح كيف ستتصرف حماس بعد العملية في القطاع. يمكن الأمل بأن يكون هذا الاشتعال هو الاخير في هذا الصيف، لكن حتى الآن لا توجد أي طريقة لضمان ذلك، في الوقت الذي تنتظرنا فيه انتخابات اخرى للكنيست في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.