إسرائيل تهدد السلطة لكن إمكاناتها محدودة

هآرتس

عاموس هرئيل

ليس الغرور الذي توحي به إسرائيل منذ منتصف­ الاسبوع الماضي، منذ أن فجرت في واقع الامر الاتصالات المتعلقة بصفقة اطالة أمد التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ليس في محله. صحيح أن قيادة السلطة الفلسطينية عرضت في آخر لحظة مطالب غير ممكنة على الخصوص حينما كان يبدو للإسرائيليين والأميركيين أن الصفقة قد صيغت. لكن الآن ايضا بعد أن عرف مُجرو المقابلة مع جبريل الرجوب في القناة 2 كيف يعيدون الينا الفخر القومي، بقيت الامور كما كانت بقدر كبير. فاذا أصرت إسرائيل على القضاء على المحادثات كما يطلب الآن وزراء الجناح اليميني في الحكومة، فستسير بذلك في مسار ينتهي – بقدر عال جدا من الاحتمال – الى عودة الارهاب الى شوارع المدن في البلاد.اضافة اعلان
 لن يحدث ذلك غدا في الصباح لأن الجيش الإسرائيلي و"الشباك" أفضل استعدادا اليوم لمواجهة عمليات ولأن القيادة الفلسطينية بخلاف القيادة التي كان يقودها ياسر عرفات في أيلول 2000، تتحفظ اليوم من ارهاب المنتحرين. لكن الجمع بين عدم وجود أفق سياسي وجمود اقتصادي في المناطق (قد يزداد سوءا اذا تضاءلت المساعدة الاقتصادية من الخارج لاجهزة السلطة) قد يفضي آخر الامر الى اعادة أحداث الانتفاضة الثانية. إن هذه قنبلة ما تزال تتكتك في هدوء لكن قادة جهاز الأمن على علم جيد بها وإن كان المستوى السياسي يفضل تجاهلها. إن الهدوء النسبي في الضفة الذي أخذ يتضعضع بالتدريج منذ الصيف الماضي سيتعرض لخطر واضح فوري اذا لم يُحفظ ولو وهم أمل.
كما هي الحال في جوانب كثيرة اخرى تتصل بعلاقات إسرائيل بجاراتها، يوجد فرق واضح بين الخطابة الإسرائيلية المعلنة في الايام الاخيرة وبين سلة الوسائل التي تملكها إسرائيل بالفعل، بازاء التوتر المجدد مع الفلسطينيين. وبرغم هجوم التهديدات الإسرائيلية منذ منتصف الاسبوع الماضي فان قوة الخطوات المضادة التي تستطيع أن تستعملها على إثر المطالب الفلسطينية الجديدة، محدودة جدا. وحينما يزن نتنياهو هذه الخطوات سيضطر الى أن يأخذ في حسابه لا قوة التنديد من الادارة الأميركية والاتحاد الأوروبي فحسب بل الضرر المحتمل بالتنسيق الامني مع اجهزة السلطة في الضفة الغربية ايضا. فالخطوات المتطرفة جدا قد تقطع الغصن الذي لا تجلس السلطة وحدها عليه بل إسرائيل ايضا.
 يتصل هذا الخطر في الأساس بالعلاقات بين الجيش الإسرائيلي و"الشباك" والاجهزة الفلسطينية. فأذرع الامن الإسرائيلية تعتمد على الفلسطينيين في مجالات غير قليلة – من استمرار التعاون الاستخباري الى تأمين القانون والنظام في المناطق حول المدن الفلسطينية ولا سيما مناطق الاحتكاك بقواعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنات. إن مجموعة العقوبات المحتملة على السلطة صغيرة ما بقيت إسرائيل على الأقل (والفرض كما قلنا هو أن هذه المصلحة ما زالت مشتركة بينها وبين السلطة) ما بقيت تريد منع تصعيد على الارض من جديد.
  إن خطوات العقاب التي ذكرت الى الآن قليلة جدا وتشمل في الاساس الغاء التسهيلات التي وعد بها الفلسطينيون من قبل كتحسين شبكات الهواتف الخلوية، ووقف خطط هيكلية تمت الموافقة عليها لهم في المنطقة ج التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة كاملة والتهديد بأن تجري كل الاتصالات بين إسرائيل والسلطة منذ الآن عن طريق منسق العمليات في المناطق بدل القنوات السياسية. وهذه الخطوة الاخيرة رمزية في أساسها لكنها تندمج في كلام الوزيرة لفني التي زعمت في القناة الثانية يوم السبت أن رئيس السلطة محمود عباس يجب أن يعود ويبرهن على أنه شريك. وكان في هذا الكلام صدى لتصريح رئيس الوزراء اهود باراك حينما عاد من المؤتمر الفاشل في كامب ديفيد في صيف 2000 حينما قال إنه لا يوجد شريك فلسطيني.
  وفي الجانب الفلسطيني تتحدث التصريحات الرسمية الاخيرة – كتصريح محادث لفني صائب عريقات، عن استعداد لنضال شعبي للاحتلال "بطرق سلمية" (القصد من ذلك بالمصطلح الفلسطيني الى المظاهرات التي يمكن أن يصاحبها ايضا رشق بحجارة بل بزجاجات حارقة). وفي الوقت نفسه تغمز السلطة حماس بعد مدة طويلة من الجمود في اتصالات المصالحة التي لا تنتهي بين الطرفين. لكن يبدو برغم نغمات التهديد أنه لا رغبة عند القيادة الفلسطينية في تجديد هجمات الارهاب، وهي خطأ دفع الفلسطينيون عنه ثمنا باهظا في العقد الماضي. ولن يعود الطرفان الى صفقة الاسبوع الماضي – اطالة أمد التفاوض والافراج عن مئات السجناء الفلسطينيين والافراج عن الجاسوس بولارد – لن يعودوا اليها كما يبدو في اطارها الأصلي. لكن ما زال يوجد عند الوسطاء الامريكيين ثلاثة اسابيع تقريبا لحل الازمة قبل أن تنتهي المدة التي خصصت للمحادثات.