إسرائيل.. سفارة ليبيا وسفير مصر

كلما تغيّر نظام سياسي، أو طرأ تغيّرٌ في المنطقة، تقفز العلاقات مع إسرائيل إلى الواجهة، ما يعكس أنّ أي أمر يتعلق بهذا الكيان لا يمكن أن يكون أمراً عاديّا.اضافة اعلان
نشرت في الأيام الماضية مواقع إنترنت ومنتديات من الدرجة الخامسة والسادسة وربما العاشرة من حيث مصداقيتها، خبرا ركيك الصياغة، نسبته لصحيفة "هآرتس" عن احتمالات فتح "سفارة صهيونية" في ليبيا. أمّا خبر تعيين سفير مصري جديد في إسرائيل، فقد وصفته الصحافة الإسرائيلية بأنّه "يقطع الطريق على توقعات تراجع العلاقات" بين البلدين، بينما يصفه الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية ييغال بالمور، بأنّه "عادي وطبيعي تماما". وفي فحوى الخبر، أنّ التعيين جاء ضمن تعيين 35 سفيرا مصريا جديدا حول العالم.
في الوقت ذاته، لا يمكن لإسرائيل أن تتعامل مع خبر سعي مصر للحصول على غواصات ألمانية لتحديث أسطولها على أنّه أمر عادي، حتى وإنْ كانت هذه الغواصات أقل تطورا من الإسرائيلية، وأنّ الاحتياجات الأمنية لها ربما لا علاقة لها بإسرائيل.
موضوع أخبار السفراء والسفارات الوهمية والحقيقية، كما الأسلحة والمعدات، تعكس بداية أنّ وضع إسرائيل في المنطقة أبعد ما يكون عن أن يكون طبيعيا. وأول من يتصرف على هذا الأساس هو الإسرائيليون أنفسهم. والمعنى الثاني، أنّ إسرائيل موضوع "نكاية" بين الأطراف العربية المختلفة في أغلب الأحيان، أكثر مما هي موضوع مواجهة حقيقية (ضدها). فرغم نقل المصادر الإسرائيلية تقارير وتحليلات متضاربة، يدين بعضها الأنظمة القديمة في دول مثل ليبيا وسورية، ويشير بعضها إلى تواطؤ أو تهاون، أو آفاق علاقات، مع الأنظمة الجديدة، فإنّ الجميع يتعامل مع الأمر بانتقائية تناسب رغباته وأحلامه ونزعاته وتحالفاته "الفيسبوكية" و"النتيّة"، مع القليل من العمل في مواجهة إسرائيل. فالذين سارعوا، مثلا، إلى نشر وتداول خبر السفارة الأخير، لم يقوموا بنقل تقارير نشرتها بالفعل الصحافة الإسرائيلية في الماضي عن اتصالات وعلاقات بين نظام الرئيس السابق معمر القذافي وإسرائيل!
والأمر الثالث، أنّ الإعلام الإلكتروني والفضائي، لم يؤد إلى زيادة تدفق المعلومات وحسب، بل وإلى تشويشها أيضاً، فطغى التوظيف السياسي على الحقيقة من قبل البعض بحسن نية وقلة خبرة، أو من قبل هواة يعتقدون أنّهم يمارسون نضالا وجهادا الكترونيين، فتلاشت الشفافية المفترضة في عصر عولمة المعلومات لصالح طبقات متراكمة من الممارسات الإعلامية والمعلوماتية العشوائية. وساعد في ذلك تراجع مصداقية الفضائيات ووسائل الإعلام الكبرى المنغمسة في أجندات أنظمتها ومموليها.
يتعلق الأمر الرابع بالسياسة المصرية. فالملاحظ أنّ النظام الجديد يريد أن يتجنب تقديم أي إشارة على توتر في علاقاته مع إسرائيل، ربما لأنّ الأخيرة وغيرها ينتظرون مثل هذه الإشارة ليثيروا حوله ضجيجاً. ولكن خطوة إرسال السفير بهذه السلاسة، رغم وجود ملفات عالقة مثل اعتداءات إسرائيلية، منذ العام الماضي،  داخل سيناء، تضيف لموضوع الرسالة التي نشرت إسرائيل صورة منها على أنّها تهنئة من الرئيس المصري إلى نظيره الإسرائيلي في شهر رمضان الماضي، والتي نفتها مصر، ولم نصل لأصل القصة بعد، لتوضح درجة التردد والتعثر، رغم الحذر. وليؤكد أنّ إسرائيل قضية مؤجلة، ولم تتبلور استراتيجية مصرية واضحة بشأنها، وسنرى إن كان السفير الجديد جزءا من استراتيجية جديدة، أم من خطوات متفرقة بلا تصور متكامل.
تهرب إسرائيل ذاتها من الملفات الحقيقية، وتهرب إلى افتعال معركة مع إيران أو بشأنها لتهرب من استحقاقات سياسية داخلية ومع الفلسطينيين. وإسرائيل ذاتها تبالغ في التحصين العسكري التقليدي، ورفض تسلح الأطراف العربية، في مرحلة تعرف أنّها تواجه فيها أخطارا سياسية وشعبية ومقاومة "لا متماثلة"، أي بين قوة تقليدية، وقوة مقاومة لا تمتلك ترسانات موازية، ونضال شعبي، وهو ما لا تفلح معه الترسانات التقليدية.
عمليا، تُستخدم إسرائيل من أطراف عربية في مواجهات "النكايات" والانقسامات والمزايدات الداخلية. أمّا المواجهة معها فغير جدية، أو مؤجلة إلى أجل غير مسمى. ثم إن أدوات المواجهة وطبيعتها غير واضحة في أذهان أو خطاب أحد، هل هو سياسي، ثقافي، عسكري، شعبي، أو كل ذلك؟! وإذا كان كل ذلك، فما ترجمته على الأرض؟!