إسرائيل في مشهد عنصري

كثيرة هي جوانب العنصرية تجاه الفلسطينيين في اسرائيل، الى درجة أنه لا يمكن استثناء أي جانب من جوانب الحياة. فمنذ ولادة المولود وحتى وفاته تلازمه سياسة تمييز عنصري، لا تجد لها مثيلا في العالم. وبين الحين والآخر تظهر حالات هي نموذج صارخ لهذه السياسة.

اضافة اعلان

ففي الشهر الماضي قتل يهودي يمتلك مزرعة في جنوب البلاد، شابا عربيا وأصاب زميله، بزعم انهما جاءا لسرقة المزرعة، وقالت الشرطة أن الشاب القتيل كان قد خرج قبل تلك الحادثة ببضعة ايام من السجن بعد أن أمضى عقوبة سجن بتهمة سلسلة من السرقات.

ولم تمض بضع ساعات قليلة جدا على اعتقال صاحب المزرعة، حتى بدأت الحلبة السياسية في اسرائيل تنشط بصورة غريبة، فقبل أن ينطق أي قاض بمصير المتهم، أو حتى النظر بتمديد الاعتقال، أعلن عدد من أعضاء الكنيست اليهود، وبشكل خاص من قوى اليمين، أنهم سيطرحون مشروع قانون يسمح عمليا لكل شخص أن يقتل من جاء لسرقته، دون أن تسجل ضد القاتل أية جريمة جنائية، وبالفعل فقد نظر الكنيست بسلسلة من مشاريع القوانين لنفس الغرض وأقرها كلها بالقراءة التمهيدية في الأسبوع الماضي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اندفعت وسائل الإعلام الاسرائيلية بحملة "تضامنية"، مع المزارع القاتل، ليتحدث عن انسانيته، وعن أنه عانى في الماضي من سرقات، وتم تغييب الكثير من الحقائق، ومن أهمها أن الشاب القتيل وزميله لم يكونا مسلحين حينما اقتحما المزرعة، والأهم في الأمر أن الشاب القتيل أصيب في ظهره، بمعنى انه تم قتله وهو في حالة هرب.

وقد يعتقد البعض أن هذا حادث عابر وأن ردود الفعل قد تكون طبيعية، ولكن ما يكشف الحقيقة الماثلة من وراء هذا التوجه هو حالة أخرى مختلفة كليا، ولكن القوميات فيها تتبدل، وقد طرحناها هنا قبل عدة اشهر.

فقبل عام ونصف العام نفذ يهودي ارهابي مجزرة في مدينة شفاعمرو، وهي من ابرز مدن فلسطينيي 48، فقد صعد ذلك الارهابي ببزته العسكرية وبسلاحه الى حافلة متجهة الى المدينة، وحينما اصبحت الحافلة في حي سكني مكتظ شرع باطلاق النار فقتل أربعة على الفور وأصاب عددا كبيرا من المواطنين.

وحين كان الارهابي في أوج تنفيذ جريمته، ويحاول استبدال مخزن الذخيرة في بندقيته، انقض عليه بعض الشبان لمنعه من مواصلة الجريمة، ومن بينهم معارف الشهداء الذين سقطوا لتوهم، وخلال التدافع مات الارهابي وهو في الحافلة.

وبدلا من أن تقوم أجهزة الأمن بالبحث عمن يقف فعلا وراء الجريمة، فقد راحت تعتقل شبان المدينة، بتهمة قتل الارهابي، وهناك الآن 15 شخصا من ابناء المدينة ينتظرون تقديم لوائح اتهام ضدهم، ومن بينهم من تنوي الشرطة اتهامه "بالقتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد"، كما قال مندوب الشرطة في احدى جلسات المحكمة، كما لو أنهم هم الذين أحضروا الارهابي وأمروه بتنفيذ المجزرة.

وليس صدفة، أن مجموعة النواب التي هبت للدفاع عن للمزارع اليهودي، هي نفسها التي تطالب بمعاقبة ابناء المدينة الذين حموا انفسهم واهل مدينتهم من مواصلة المجزرة، وهذا ما يؤكد ان الدافع في الحالتين هو دافع عنصري وليس غير ذلك.

إن الخطورة الأكبر أن هذا لا يجري في الشارع الاسرائيلي بل بالأساس في البرلمان، وبدعم أعمى من حكومة اسرائيل الحالية، التي أعربت عن دعمها للقوانين السابق ذكرها.

وهذا جزء من أجواء عامة تتصاعد يوما بعد يوم، وبمبادرة الحكومة الاسرائيلية نفسها، التي عززت هذا الاسبوع شراكتها مع أكثر الأحزاب عنصرية وحقدا على العرب، "يسرائيل بيتينو" بزعامة العنصري أفيغدور ليبرمان.

كذلك فإن هذا يعزز أجواء العنصرية التي تسود جهاز القضاء الاسرائيلي، كما أكدت ذلك دراسة أكاديمية، أجراها أحد أقسام الابحاث في جامعة حيفا الاسرائيلية قبل نحو عامين، وأكدت الدراسة أن القضاة في اسرائيل يصدرون أحكاما على العرب أضعاف ما يصدرونها على اليهود في نفس الجنح ونفس الظروف.

في كل عام تصدر تقارير دولية كثيرة حول حقوق الانسان، وحقوق الاقليات في العالم، والمأساة التي يعيشها فلسطينيو 48 تبقى غائبة كليا عن هذه التقارير، وإن تعرّض بعضها لحالنا فإن هذا يتم بشكل جزئي وخجول ولا يعكس الحقيقة.

صحافي وكاتب سياسي- الناصرة

[email protected]