إسرائيل لن تهاجم إيران قبل الانتخابات الأميركية

بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)

توني كارون - (مجلة تايم) 5/9/2012

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

 بعد صيف شهد تراكماً للتنبؤات الإعلامية بأن إسرائيل ستقصف المرافق النووية الإيرانية قبل توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يبدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك وأنهما يقلبان الأمور رأساً على عقب. فقد كرر نتنياهو في نهايات الشهر الماضي رسالته الجديدة القائلة بأنه يمكن تجنب الحرب، في الوقت الحاضر على الأقل، إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في الإعلان عن "خط أحمر" واضح، والذي سرتب تجاوزه على إيران مواجهة رد عسكري أمريكي. ونظراً لأن الرئيس باراك أوباما أعلن بوضوح في الربيع الماضي عن أنه سيأمر بعمل عسكري إذا انتقلت إيران إلى بناء سلاح نووي، فإنه لن يكون هناك جديد في إعادة تأكيد هذا الموقف —ربما باستثناء احتمال أن يساعد، سوية مع سلسلة من الإيماءات الرمزية إلى حد كبير، والتي ذكر أن إدارة الرئيس أوباما تقوم بدراستها لإرضاء الإسرائيليين كمقدار واف من التنازلات التي تسمح لنتنياهو وباراك بالتراجع عن الحافة التي وصل إليها حديثهما عن الحرب. وفي الحقيقة، لم يكن أقل من مدهش مدى عزلة المسؤولين العسكريين الإسرائيليين فيما يتعلق بالموضوع الإيراني خلال الصيف، خاصة بين ظهراني المؤسسة الدفاعية والأمنية في إسرائيل.اضافة اعلان
 وكانت النزعة الحربية لدى نتنياهو وباراك قد أثارت درجة ملحوظة من المعارضة بين المسؤولين الدفاعيين والأمنيين في إسرائيل، والذين ذكر أنهم مجمعون على معارضة الهجوم على إيران في هذه المرحلة. ليس ذلك وحسب، فالتدفق الجماهيري المعارض لتوجيه ضربة عسكرية في أوساط كبار الرجال العسكريين الإسرائيليين والمسؤولين الأمنيين المتقاعدين حديثاً، شمل سلسلة هجمات غير مسبوقة على الكفاءة الاستراتيجية، وحتى على الرزانة الذهنية لنتنياهو وباراك. وفي معرض وصفه لمقابلة عامة حديثة للجنرال يوري ساغي، الضابط الرفيع المستوى المرموق في جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي خدم تحت رئاسة باراك، يلاحظ المحلل شاي فيلدمان:
"تساءل ساغي، ولأول مرة في العلن، عما إذا كانت إسرائيل تستطيع الاعتماد على حكم والاستقرار الذهني لدى قادتها الراهنين لإرشادها في وقت الحرب. ومدرجاً عدداً من الأخطاء الاستراتيجية السابقة التي ارتكبها باراك، وملمحاً إلى ميل نتنياهو المنسوب إليه للتحرك بسرعة بين النشوة والذعر، أعرب ساغي عن شكوك كبيرة حول ما إذا كان قادة إسرائيل الحاليين يستطيعون استيعاب الضغوطات والتوتر اللذين تنطوي عليهما إدارة المواجهة العسكرية الرئيسية."
وفي نيسان (أبريل) الماضي، اتهم مسؤول الشين بيت السابق يوفال ديسكين نتنياهو وباراك بإخفاء "أحاسيس مشيخانية" ليتساءل عن كفاءتهما لقيادة إسرائيل في المواجهة. وحتى زعيم المعارضة شاؤول موفاز، رئيس الأركان السابق الذي خدم في حكومة الوحدة الوطنية كنائب لنتنياهو من أيار (مايو) وحتى تموز (يوليو) والذي يعارض مهاجمة إيران، قال لراديو الجيش بأنه وجد نتنياهو "مرتبكاً ومجهداً وغير مركز" عندما اجتمع الرجلان في الفترة الأخيرة.
ومن الصعوبة بمكان أن تساعد مثل هذه الصور التي يضعها لصانعي القرار الرئيسيين رجال أمن يحظون بالاحترام، وهي صور لا تنطوي على إطراء لنتنياهو وباراك، في إقناع الجمهور بالقضية الخاصة بالحرب. وتستمر استطلاعات الرأي في اكتشاف أن ثمة غالبية من الإسرائيليين يعارضون مهاجمة إيران من دون وجود الدعم الأميركي. وحتى الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريس، المعروف بأنه والد فكرة الغموض النووي الإسرائيلي، أعرب مؤخراً عن معارضته الصريحة لتوجيه ضربة لإيران من دون الدعم الأميركي. وقال بيريس إنه من الواضح أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة العسكرية اللازمة لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وأنها تحتاج إلى تنسيق أعمالها مع واشنطن. ومن الطبيعي أن البيت الأبيض لم يترك أي مجال للشك في أنه يعارض توجيه ضربة إسرائيلية أحادية عند هذه المرحلة.
وفي الأسبوع قبل الماضي، حذر رئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، من أن توجيه ضربة إسرائيلية تستطيع ، في أفضل الحالات، إعاقة التقدم النووي لإيران لفترة وجيزة لكن مع كلفة عدم رفع ائتلاف العقوبات الدولية كما ودفع إيران نحو بناء رادع نووي فعلياً—خيار لم تقرر بعد انتهاجه بالرغم من التوافر بثبات على حيازة المقدرة لفعله. وقال ديمبسي في لندن في الأسبوع الماضي" لا أريد أن أتهم بمحاولة التأثير لكنني أيضاً لا أريد أيضاً أن أكون متواطئاً في حال قرروا المضي قدما."
وبدت تلك الرسالة وأنها تردد أصداء التقارير التي تحدثت عن قيام وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، بتخفيض المشاركة الأميركية في تمارين عسكرية مشتركة، والتي من المقرر أن تجري في الشهر المقبل. وهكذا، فإن السرد الناجم سوف يدور، وفق بعض المحللين الإسرائيليين، حول قيادة سياسية أفضى إصرارها على شن حرب إلى تحميلها عبء خسارة ثقة مسؤوليها الأمنيين، ورئيسها (وربما جمهورها)، بالإضافة إلى خسران ثقة أهم حليف استراتيجي لها. وليس هذا الوضع مريحاً لأي قائد سياسي إسرائيلي، كما يبدو أيهود باراك وأنه تراجع -حتى من قبل أي تصريح جديد عن "خط أحمر" يصدره أوباما. ولأنه معروف بثبات تصريحاته –وكان قد كسب لقب "السيد المتعرج" خلال اضطلاعه بمنصب رئيس الوزراء- نجد وزير الدفاع الإسرائيلي الذي كان قبل أسبوعين وحسب يرسم نفسه على أنه "صانع القرار،" وبدا على وشك إعطاء الأوامر للطائرات النفاثة بالانطلاق،، نجده الآن معارضاً لقصف إيران قبل الانتخابات الأميركية، كما يتردد.
وفي الأثناء، نجد نتنياهو متمسكاً بصدور إعلان أميركي عن الخطوط الحمراء. وتقول صحيفة "النيويورك تايمز" إن إدارة أوباما تناقش الخيارات الآن لإرضاء الإسرائيليين، حتى لو كان ذلك عبر إعادة صياغة عدد من الخطط الموجودة للتمارين العسكرية، خطابياً. ويخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي لحضور جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في وقت لاحق هذا الشهر، حيث من المتوقع أن يجتمع مع الرئيس أوباما على هامش الجلسة.
وفي ذلك الاجتماع، سوف يلتقط داعمو رئيس الوزراء الإسرائيلي أي بيانات أو إيماءات تصدر عن البيت الأبيض، ويصورونها على أنها انتصارات لاستراتجيته العنيفة بلا انقطاع. ومع ذلك، تبقى مشكلة نتنياهو هي أن خط أوباما الأحمر —منع الإيرانيين من امتلاك سلاح نووي— ليس هو الخط الإسرائيلي الأحمر الذي يصر على عدم السماح لإيران بالحفاظ على بنية تحتية نووية تتوافر عليها أصلاً، حتى مع أن هذه البنية التحتية تقع في إطار حدود ما هو مسموح به للدول الأطراف الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي، لأن من الممكن أن تعيد إيران صياغة هدفها باتجاه إنتاج مواد بدرجة الأسلحة. وفي الأسبوع قبل الماضي، أكد تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية أن إيران تنزلق متجاوزة الخطوط الحمراء الإسرائيلية، لكنها تتجنب بحرص مسألة الاقتراب من الحدود الأميركية.
وأوردت الوكالة التابعة للأمم المتحدة أن إيران ضاعفت من سعة أجهزة الطرد المركزي في مفاعلها "فوردو" الذي يقع تحت الأرض، والذي يشكو الإسرائيليون من أنه يجعل سعته عصية على قوتهم الجوية. ولم تتم إدارة أجهزة الطرد المركزي تلك، والتي يصل عددها راهناً إلى 2000 جهاز، مع هدف الوصول إلى 3000 جهاز في وقت لاحق هذا العام. وهي تظل خاضعة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية. ولأن هذه الأجهزة تزيد من قدرة إيران على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20%، فإنها تظل موضع الاهتمام الأعلى للقوى الغربية، بسبب الإطار الزمني المخفض لإمكانية تحويلها إلى مادة بدرجة السلاح، كما حولت إيران نسبة كبيرة من مخزونها من تلك المادة إلى ألواح وقود، والتي ستكون عديمة الفائدة في أي اندفاع نحو التسلح.
ويعكس ذلك طبيعة اليقظة والحذر اللذين تلتزمهما إيران لتجنب التحرك باتجاه الخطوط الحمراء لواشنطن، على الرغم من الفشل في التقيد بالتزامات الوكالة الدولية للطاقة النووية، وبالتزامات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
 لكن من الممكن أن يعكس ذلك أيضاً شيئاً عن طبيعة برنامج إيران: فقد شك العديد من المحللين منذ وقت طويل بأن هدف إيران ليس بناء سلاح نووي في هذه المرحلة، وإنما إنجاز نوع من القدرة اللازمة للاستعداد للعمل، مثل تلك التي تتمتع بها عدة بلدان كاليابان، والتي تظل ضمن شروط معاهدة عدم الانتشار النووي، لكنها تضع الأسلحة النووية في موضع الوصول السهل في حال قررت الحكومة أنه من الضروري المضي قدماً إلى بنائها لمسوغات تتعلق بالأمن القومي. وتلك محصلة يرفضها الإسرائيليون بعناد، كما أن القوى الغربية لن تقبلها بسهولة، بينما تظل إيران غير متقيدة بالتزاماتها تجاه معاهدة عدم الانتشار النووي. ولو كانت إيران راغبة في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية وقبول الضمانات المعززة ضد التسلح، فإن الإجماع الغربي قد يبدأ مع ذلك في التحول.
الآن، تبدو الولايات المتحدة وأنها ستقنع إسرائيل على الأرجح بالجلوس على يديها، بينما تتصاعد العقوبات وغيرها من الضغوطات على إيران. ومع ذلك، فإن التلميحات تشير حتى الآن إلى أنه حتى لو نجحت تلك الإجراءات في الضغط على إيران للتوصل إلى تسوية، فإنه من غير المرجح أن تتضمن هذه التسوية، كما تم عرضها، حل الاستقطاب حول موضوع تخصيب اليورانيوم، والذي يطالب به الإسرائيليون. وعليه، وحتى لو كانت الحرب قبل تشرين الثاني (نوفمبر) تبدو غير مرجحة باطراد، فإن الاعتقاد بأن الحديث عن الحرب سيعود في الربيع القادم سيكون رهاناً آمناً.

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Worried About Israel Bombing Iran Before November? You Can Relax Lefto-out

[email protected]