"إسرائيل" واحتلال العقل العربي

أسوأ ما فعله وجود “إسرائيل” ليس مصادرة بلد واحتلاله فحسب، بل احتلال العقل العربي، وحشره في الزاوية، وإقناعه أنه سجين “فكرة إسرائيل” !اضافة اعلان
وهكذا تم تجميد العقل عند قطاع عريض من الناس، بحيث غدا عقلا مستسلما وكسولا وغير مبدع، ويجد راحته العظيمة في تفسير أي مصيبة تصيبه بأنها “مؤامرة صهيونية”، ويذهب منتشيا، بل وبإحساس غامر بالوطنية والتفوق بأنَّه اكتشف المؤامرة الخطيرة.
هذا تفكير عربي سائد ومنتشر وطاغ، تربَّينا عليه منذ الطفولة، وبشكل عفوي، منذ اخترعت أمهاتنا عبارات “يقطع شرَّهم اليهود”، أو”يكسر جاه اليهود” حين يكسر ابنها المدلَّل صحنا، ولا تريد تحميله المسؤولية !
ومنذ كانت “وكالة الغوث” أو أي من المنظمات الإنسانية توزع علينا الفيتامينات، تنتشر الإشاعات فورا بأنها حبوب من إسرائيل فيها فيروس خطير، وعندما انتشرت فكرة “مانع الحمل” في المناطق الشعبية عن طريق جهود توعوية طار صواب الناس من “إسرائيل” التي تريد أن تقضي على نسلنا العظيم !
وظل “البعبع” الذي يلاحق السذج من الناس في نومهم وقيامهم أن “إسرائيل” هي وراء كل صغيرة وكبيرة من فشل “صبحي” في التوجيهي للمرة الثالثة .. إلى هذه المقالة نفسها التي سيقول قطاع كبير منهم أنها مدفوع لصاحبها من “إسرائيل” !
وهكذا وجد العقل الكسول فرصة ذهبية في “العدوّ الجاهز”، الذي يمكن تحميله مسؤولية أي فشل في القطاعات كلها، السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة، وغيرها الكثير من تفاصيل الحياة التي لسنا مستعدين لمناقشة فشلها .. فهناك دائماً من نقذف عليه بالمسؤولية، ونحظى فوق ذلك بـ “وسام الوطنية”.
وهذا ليس عقل “العامَّة”، بالمعنى الدارج للطبقات، بل هو نوع من العقل الذي انتشر بشكل مفزع وعابر للطبقات الاجتماعية والمستوى المعرفي، تجده عند الحزبي والمثقف وبائع الخضار، حيث يتفق الجميع على التنصّل من أي مسؤولية كانت، على صعيد تراجع الدور العربي او القومي، والتخلّف الإنساني الذي جعلنا في آخر الامم، والهزائم التي حلَّت بنا، والنكوص الذي نعاني منه في كل شيء، .. لأن “إسرائيل” وراء كل صغيرة وكبيرة، وتسوقنا إلى هزائمنا اليومية بـ”الريموت كنترول” !
فإن هبَّت ثورة في بلد ما اتهم الموالون المعارضة بأنها نتاج إسرائيل وتمويلها، وكذا اتهمت المعارضة الموالاة بأنها تخدم إسرائيل وبأنَّها بوقها المأجور !
وإن سقط مرشح في انتخابات نقابة صغيرة اتهم “إسرائيل”، وإن ظهر “اليهود” في مسلسل مصري يروي حكاية من الخمسينيات فالمخرج والمنتج والممثلون والمشاهدون كلهم “مُطبِّعون”  !
وإن خرجت عن الإجماع في موقف ما فأنت مدفوع لك من “إسرائيل” وتنفذ سياستها، وإن انتقدت برنامجا سياسياً لحزب ما فأنت عميل.
كل ذلك نتيجة العقل العربي الذي وجد في “إسرائيل” فزّاعة يرفعها في وجه كل من حاول الاجتهاد أو التفكير أو أن يناقش المسَلَّمات، او أن يعترض على الإجماع الشعبي على شأنٍ ما.
وإن حاولتَ ان تلفت الانتباه أن هناك اخطاراً أخرى تتهدَّد بلادك، وأمتك، وهويتك، نطَّ هؤلاء من مقاعدهم ملسوعين: أنت تدافع عن “إسرائيل” !!
لأن العقل الكسول وغير المبدع وغير المنتج ليس مستعدا ولا مؤهلاً للنقاش أو للإنخراط في تفكير نقدي، ويؤثر دائماً ، عند كل حادثة ، أن يشير باصبعه الكسولة إلى “إسرائيل” ، ثم ينصرف لتعليق الأوسمة على صدره الوطني العريض !