"إسرائيل": وحدة بوحدة

تظن إسرائيل أن بإمكانها الضغط على الأردن لإعادة طاقم سفارتها إلى عمان، وهي المغلقة منذ خمسة أشهر تقريبا، بعد جريمة قُتِل فيها مواطنان أردنيان بدم بارد على يد حارس السفارة.اضافة اعلان
الأردن موقفه واحد، وهو واضح في شروطه: لا عودة لطاقم السفارة إلا بتحويل القاتل إلى القضاء والتحقيق معه، والسفارة ستبقى مقفلة إلى حين تقديم اعتذار، مع اشتراط عدم عودة السفيرة السابقة.
أما طرق الضغط الإسرائيلية فهي متعددة، تبدأ بالتلويح بالانسحاب من مشروع ناقل البحرين، والتهديد بتعطيش الأردنيين، كما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين، أو الإيحاء باستبدال العلاقة مع الأردن مع أطراف جديدة في المنطقة.
بصراحة، الرد على مثل هذه الأفكار والمحاولات سهل، فالقول إن دور الأردن انتهى بانفتاح إسرائيل على لاعبين جدد في المنطقة لن يلغي الموقع الجيوسياسي المهم للأردن، ولن يبطل دوره المهم كلاعب أساسي في الحل النهائي إن وجدت عملية سلام في الأصل.
كما أن التطبيع مع أي دولة أخرى لا ينهي موقع ومكانة الأردن، والعلاقة التاريخية بالعملية السلمية وبالقضية الفلسطينية التي طالما دافع عنها، ويعلم الفلسطينيون أكثر من غيرهم هذه الحقيقة، ففي الوقت الذي انشغل العالم العربي والإسلامي بقضايا ثانوية ونسوا القضية المركزية، كان الأردن حاملا ومذكّرا بها في مختلف المحافل العربية العالمية.
إن كانت إسرائيل تروّج لذلك لتشكيل ضغط على الأردن، فإن ذلك لا ينهي، أيضا، اعترافا أميركيا وأوروبيا بالدور المحوري للأردن، فعلاقات الأردن مع هذه الأطراف المختلفة وقناعاتهم بالدور الأردني تقلل من فاعلية ما تروج له آلة الإعلام الإسرائيلية.
محاولات البعض القول بتراجع الأردن وتحالفاته خلال الفترة الماضية اعتمادا على سوء العلاقة مع إسرائيل بعد حادثة السفارة، هي أيضا، تعبّر عن تكرار "رأي" خرج من جهات إما مشبوهة أو لا تدرك أولويات البلد ومصالحه كما يراها الأردن، فأجندة المملكة واضحة؛ القضية الفلسطينية وسلام عادل وشامل، ومحاربة الإرهاب، وحل سياسي في الجارة الشمالية، ونزع فتيل الأزمة في الجارة الشرقية.
العلاقة الاقتصادية مع المحتل، تحدَّثنا عنها باستمرار، وأكدنا على الدوام أن إسرائيل شريك لا يؤتمن جانبه، وليس من طبعها الوفاء بالتزاماتها، لذلك طالما حذّر كثيرون من علاقات اقتصادية معها ترهن حاضر الأردن ومستقبله بالمحتل، وها هي إسرائيل تفضح نفسها في الاختبار الأول وتفشل به كما هو متوقع. فبدلا من أن تسعى لتكون دولة قانون، كما تروّج لنفسها، أثبتت، وللمرة المليون، أنها دولة احتلال لا تحترم القوانين والتشريعات ولا الأعراف الدبلوماسية، وبدلا من تحويل القاتل للقضاء تراها تضغط على الأردن بمشروع ناقل البحرين.
وبما أن الحال كذلك، وإسرائيل تريد أن تلعب لعبة لي الذراع، فعلى الأردن الرسمي أن يلعب بالطريقة ذاتها، فحاجتنا للمياه لا تقل أهمية عن حاجتهم لتسويق غازهم. لذلك يبدو مهما اليوم التلويح بعدم تنفيذ اتفاقية الغاز الموقعة معهم، وهو أمر ممكن قانونيا، خصوصا أن ثمة بندا في الاتفاقية الموقعة ينص على أن التنفيذ مرهون بموافقة وإعلان رسمي من الوزير المعني.
القصد، أن التعامل مع إسرائيل يجب أن يكون وفق سياسة "وحدة بوحدة" بعد ما رأينا تعاملها غير القانوني وغير الأخلاقي في موضوع السفارة والشهيد رائد زعيتر والاعتداء على المقدسات، وينبغي لي ذراعها أيضا بعدم تنفيذ اتفاقية الغاز، وإبقاء إنفاذها مشفوعا بضمانات مكتوبة بتنفيذ مشروع ناقل البحرين وكذلك محاكمة قاتل السفارة.
إن لم يتحقق ما سبق، فمعنى ذلك أن الثقة غائبة ولن تتحقق أبدا، وأن التعامل مع إسرائيل، مهما كان شكله، يجب أن لا يرهن الأردن واقتصاده لدولة عدوة لا تحترم الاتفاقيات والقوانين والتشريعات.