إسرائيل ومبادرة السلام العربية: جهل مطبق من القمة إلى القاعدة

السلام الفلسطيني-الإسرائيلي - (أرشيفية)
السلام الفلسطيني-الإسرائيلي - (أرشيفية)

إيميلي ال. هاوزر -(ذا ديلي بيست) 14/6/2013

 

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

يتحدث كل أولئك الذين يتملكهم هاجس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن الحقيقة التي تفيد بأن جامعة الدول العربية قد عرضت مرة أخرى مبادرة السلام العربية كنقطة انطلاق للمفاوضات مع إسرائيل. وتبقى الأطر الأساسية لمبادرة السلام العربية هي نفس الأطر الأساسية لكل خطة عربية أخرى كانت قد وضعت لحل الصراع: دولتان، تستندان إلى حدود العام 1967؛ وقدس مشتركة؛ وحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. والهدف المعلن لمبادرة السلام العربية هو إقامة سلام إقليمي شامل وعلاقات طبيعية مع الشعب الإسرائيلي.اضافة اعلان
لكن من المدهش قليلاً في الحقيقة هو أن هذه هي المرة الثالثة التي تحاول فيها الجامعة العربية إطلاق مبادرة السلام العربية- كانت المرة الأولى في العام 2002. وما يبعث على مزيد من الدهشة، هي الحقيقة أنه بعد شهور من إعادة طرح مبادرة الجامعة العربية، ما تزال إسرائيل الرسمية تتجاهل تلك المبادرة، باستثناء ذكر مختصر من جانب إيهود اولمرت في مؤتمر أنابوليس في العام 2007. ولعل الفارق الوحيد في العام 2013 هو أن الجامعة العربية مستعدة الآن لدراسة مقايضات صغيرة في الأراضي يتم الاتفاق عليها بشكل متبادل- ومع ذلك، ما يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يصر على أن مبادرة السلام العربية هي جهد عربي لإملاء الشروط.
لكن الأمر الذي ربما يكون الأكثر مدعاة للدهشة والصدمة في آن، هو أنه وحتى وقت قريب، لم يكن لدى الأغلبية الضخمة من اليهود الإسرائيليين سوى النزر اليسير، أو لا فكرة على الإطلاق، عن أن كل الأعضاء الاثنين والعشرين في الجامعة العربية كانوا قد عرضوا بدء المفاوضات مع حكومتهم بهدف تحقيق سلام يعم المنطقة.
في وقت متأخر من الشهر الماضي، كتبت الصحفية الإسرائيلية أكيفا إلدار في صحيفة المونيتور، عن أنه "حتى بالرغم من أن المبادرة ما تزال مهملة على الرف لأكثر من 11 عاماً، فإن 73.5 % من الجمهور المتحدث باللغة العبرية لم يسبق له أن سمع بالمبادرة، أو أنه ربما سمع تلميحاً عنها، لكنه ليس مطلعاً على التفاصيل. ومن هؤلاء كانت نسبة 20.5 % "على معرفة خفيفة" بالمبادرة، وأن 6 % كانوا "مطلعين جداً". عليها".
بوصفي إسرائيلية اخترت أن أغادر بدلاً من تنشئة عائلتي في دولة عالقة في مستنقع الاحتلال العسكري إلى هذا الحد، فإنني غالباً ما أحس بالحنق من عدم قدرة شعبي الواضحة على مشاهدة ما وراء المخاوف (مهما كانت أصيلة) التي تخدم لدعم الكثير جداً من أيديولوجيات ساستنا.
وبما أنني الآن موجودة في الوطن في زيارة، فإنني أقوم بطباعة كلمات هذا المقال وأنا في مقهى مزدحم في القدس -محاطة بضحك الرواد والأحاديث عن أعياد الميلاد والسفر إلى الخارج، وأتابع تقديم القهوة مع الحليب والحلويات، والتنافر الواضح، وقدرة زملائي شاربي القهوة على أن يعيشوا بهدوء حياة يحتسون فيها القهوة، مع أن حقيقة أن الناس الذين يخافون منهم يعيشون تحت سيطرة أقوى قوة عسكرية في المنطقة، تصم الآذان بقوتها. وأود أن أسأل رفاق المقهى على الطاولة القريبة، كيف يحدث أننا كثيراً ما نرفض رؤية الحقيقة التي نعيش فيها؛ ولو أنني لست متأكدة من أنني أريد سماع الجواب.
ومع ذلك، لا أستطيع سوى التفكير في تلك الإحصائية: ثلاثة أرباع الإسرائيليين المتحدثين بالعبرية تقريباً ليست لديهم أي فكرة بأن العالم العربي كان قد عرض التفاوض من أجل السلام -ليس مرة ولا اثنتين، وإنما ثلاث مرات.
عندما يكون العديد من الناس ينطوون على ذلك الكم من الجهل بمعلومات على ذلك المستوى من الأهمية، فإن ذلك يدلل على شيء أعظم بكثير من الفشل البسيط في بقاء المرء مطلعاً على المستجدات. إنه نوع من الجهل الذي يخدم أولئك الذين يتوقون إلى استغلاله، أولئك الذين ليست لهم مصلحة في إحراز تقارب، أولئك الذين يعد الخوف بالنسبة لهم حجر إساس لإدامة الهيمنة والنقاء العرقي. إنها تشير إلى حقيقة لا يمكن تجنبها ولا يمكن معرفتها إلى حد كبير: لم تجد النخب الإسرائيلية أن من مصالحها تهيئة شعبها لاحتمال إنهاء الصراع -ولذلك اختارت عدم القيام بذلك.
لم يتحدث الساسة عن المبادرة، ولم يردوا على المبادرة، كما لم يعوموا المبادرة عبر وكلاء نافذين، و(ربما الأكثر لعنة) أن الصحافة لم تولها الكثير من الاهتمام أيضاً. بل شاهدنا جهوداً حكومية لتطهير النظام التعليمي من أي إشارة إلى الرواية الفلسطينية، وإصراراً من الحكومة على القول بأن أي -وكل المطالب الفلسطينية تشكل تهديداً للدولة اليهودية، وصحافة ترغب غالباً في الانسياق وراء ما تقودها إليه الرواية الرسمية. وبعد كل شيء، لا يفشل أحد ولا ينشغل عن تغطية العنف الفلسطيني –وماذا عن النشاط الفلسطيني غير العنيف؟ آه.
هكذا، يجب طرح السؤال: إلى أي مدى يكون الشعب مسؤولاً عن معرفة تلك الأشياء التي تم حجبها عنه عن قصد؟ وإلى أي مدى يريدون تخمين ما لا يقوله لهم أحد؟
عندما تم إعلان الخطوط العامة لمبادرة السلام العربي، قالت نسبة 55 % من أولئك الذين استطلعت آراؤهم إنهم سيدعمونها إلى حد ما. وعندما سئلوا عما إذا كانوا سيدعمون نتنياهو إذا توصل إلى اتفاقية وضع نهائي استناداً إلى نفس تلك المبادئ، قفزت نسبة الإجابات بنعم إلى 69 %.
لم يحاول أي أحد تهيئة بني جلدتي الإسرائيليين لاحتمال السلام. وعندما عرضت عليهم الحقيقة حول ما هو موجود بالفعل على الطاولة، فقد أيد الدعم تقريباً نفس العدد الذي كان قد أعرب عن الجهل قبل ذلك.
لا تمكننا معرفة الشكل الذي كان ليكون عليه الشرق الأوسط اليوم لو أن إسرائيل قبلت مبادرة السلام العربية قبل أحد عشر عاماً من الآن (أو قبل خمسة أعوام). ولا نستطيع معرفة الكيفية التي سيستقبل فيها الإسرائيليون المبادرة اليوم، لو أنهم كانوا قد علموا بها أصلاً.
لكن من المهم فعلاً أنهم لم يعرفوا عنها. ومن المؤكد أن أولئك الذين كانوا يتوافرون على السلطة اختاروا أن لا يعلموهم. ومن المؤكد أنه يحدث فرق أنه مع النزر اليسير من المعرفة، بالرغم من كل شيء، يقول الإسرائيليون إنهم يريدون ما لدى الجامعة العربية لتعرضه.
لعل السؤال الأكثر أهمية، مع ذلك، هو ما إذا كان كل هذا سيؤثر على الساسة الذين حجبوا عنهم المعلومات في المقام الأول.


*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
 Israel and The Arab Peace Initiative: Top-down ignorance

[email protected]