إسرائيل ووعود تخفيف الحصار على غزة

أصدر "مسؤول" إسرائيلي تصريحا حول إجراءات لتخفيف الحصار على قطاع غزة. وبالتدقيق في التفاصيل، يتضح أن لا شيء ملموسا ومتوقعا قريباً، وهو ما يعزز القناعة بأنّ الإجراء الإسرائيلي جزء من استراتيجية تفاوض غير مباشرة، وضمنية، ربما تجري من دون وسطاء وعلى شكل خطوات ضمنية متبادلة، وربما عبر وسيط مثل تركيا. اضافة اعلان
بحسب المسؤول الإسرائيلي، فإن ما يجري هو التخطيط لدخول جزء من البضائع التجارية عبر معبر "إيريتز" الّمخصص للأفراد، فيما قد يكون جزءا من زيادة حجم البضائع الداخلة للقطاع.
ويربط الطرف الإسرائيلي بوضوح بين الوضع الأمني والسياسي؛ فالمسؤول المذكور يشير إلى أنّ الأمر يرتبط بصمود الهدنة الموقعة العام 2014 مع حركة "حماس"؛ كما يشير إلى أنّ زيادة البضائع محتمل طالما أنّ الأمر يعتمد على قرار إسرائيلي يمكن التراجع عنه في حال حدثت هجمات من غزة.
من الواضح أن التكتيك الإسرائيلي هو استمرار لسياسة القرارات أحادية الجانب، التي تترك القرار والتراجع عنه للجانب الإسرائيلي. وهذا بدأ منذ الانسحاب من قطاع غزة، العام 2005، على الأقل؛ إذ يرفض الجانب الإسرائيلي أي التزام ثنائي أو بإشراف خارجي، ويصرّ على رفض أي اتفاق يشمل أي شيء سوى الإجراءات الأمنية ومتطلبات الحياة الفلسطينية، أي نوع من الأمن مقابل الغذاء، وهذا أمر مفيد جداً للإسرائيليين فهو يعني عدم الدخول في مفاوضات سياسية، وفي الوقت ذاته تحقيق الأمن.
إذن، أصبحت هناك معادلة أشبه بالفخ للفلسطينيين، فيها أمن الإسرائيليين مقابل الغذاء ومتطبات الاستمرار على قيد الحياة، من دون أفق سياسي.
في الوقت ذاته، يأتي التصريح الإسرائيلي في وقت يوجد فيه ترقب للمفاوضات التركية الإسرائيلية حول تطبيع العلاقات بين الجانبين وتطويرها، ولإقفال ملف الخلاف حول الاعتداء الإسرائيلي على الأتراك الذين شاركوا في سفن أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، في مثل هذا الشهر من العام 2010 (سفينة "مافي مرمرة"). إذ وبحسب الأنباء المتسربة من المفاوضات، لن يوافق الإسرائيليون على رفع رسمي وصريح للحصار، لكن ترتيبات مختلفة لتخفيف الحصار ممكنة، من ضمنها زيادة وتسهيل وصول البضائع التركية، أو من تركيا، عبر الموانئ والمعابر التي يسيطر عليها الجانب الإسرائيلي. ولا يمكن إلا رؤية أنّ احتمال فتح أو زيادة عبور البضائع إلى قطاع غزة، بالطريقة التي يشار إليها، إجراءٌ منسجم مع متطلبات هذه المفاوضات (إن لم يكن الأمر جزءا من المفاوضات فعليا). وبالطبع، يتوقع الإسرائيليون من "حماس" الحفاظ على الهدوء بشكل أكبر مقابل ذلك.
لعل مما يعزز الانطباع بأنّ الإجراء الإسرائيلي جزء من تكتيك تفاوضي، يقوم على خطوات أحادية الجانب ينتظر مقابلها، أو مفاوضات عبر وسيط كالأتراك، أنّ المسؤول الإسرائيلي يقول إن عملية إعادة فتح المعبر للبضائع ما تزال تحت الإعداد، وقال: "لن يكون ذلك اليوم أو غدا"، في إشارة إلى أنّ الأمر سيأخذ وقتاً قبل تنفيذه، ما يعني أيضاً أن المسارعة للإعلان عن شيء ما يزال في مرحلة التفكير والإعداد له هدف سياسي.
يتبع الإسرائيليون سياسة تخفيف الضغوط ذاتها، أو ما يريد الإسرائيليون تسميته "تسهيلات"، في الضفة الغربية، ويريدون حصر المفاوضات والاتصالات السياسية بها، ليصبح الحديث عن تخفيف ضغط مقابل أمن إسرائيلي.
عندما يعلن تخفيف الضغط في مجال ما، مثل حركة العبور إلى داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، من مثل تخفيف إجراءات الخروج عبر جسر الملك حسين، فهذا لا شك أمر يسعد من يعاني بسبب تلك الضغوط، لكن الحقيقة السياسية أيضاً أنّ مثل هذه الإجراءات تقدم إشارة إلى أن ما يجري هو عملية تكيف مع واقع الاحتلال، مع تراجع فكرة واحتمالات انحسار الاحتلال فعليا قريباً.
تخفيف الحصار على غزة من خلال المعابر التي يسيطر عليها الإسرائيليون، يراد له أن يشكل بديلاً عن رفع الحصار كلياً عبر المعابر مع مصر، أو عبر البحر والميناء.
يبدو خبر تخفيف الحصار سببا للارتياح على الصعيد الحياتي اليومي، أما في التفاصيل، فالأمر مقلق على الصعيد الوطني البعيد المدى، خصوصاً عملية تكريس سياسة "تخفيف الضغط مقابل الأمن الإسرائيلي"، ومن دون انحسار للاحتلال.