إشكاليات الخروج من المأزق الاقتصاديّ

سلامة الدرعاوي ما يعانيه الاقتصاد الوطنيّ من أزمة راهنة، هي ليست وليدة تداعيات كورونا، بل هي تراكمات الفشل الرسميّ لإدارة الاقتصاد، وضعه في خانة صعبة لدرجة أننا بتنا مع كُلّ أسف نفاضل بين السيئ والأسوأ للخروج مما نحن فيه من صعوبات وتحديات. يرى البعض أن المشكلة الأكثر إلحاحا في المجتمع الأردنيّ فقدان الجهات الرسميّة لخريطة طريق للخروج من المأزق الاقتصاديّ والإصرار على معالجات آنية لعجز الخزينة من دون النظر إلى تأثير ذلك على القطاعات الاقتصاديّة في المستقبل القريب. وهذا الأمر صحيح من كل النواحي، فالحكومة مطالبة بتوفير ما يقارب الـ580 مليون دينار شهريّاً لسداد كافة التزاماتها الماليّة من رواتب ونفقات تشغيليّة وأقساط وفوائد الدين، وهذا لا يمكن أن يتحقق دون أن يكون هناك عجز شهري لا يقل عن 150 مليون دينار، والذي يسد عادة بالاقتراض الداخليّ والخارجيّ، وأي حلول أخرى ستكون مكلفة من عدة نواح سياسيّة وأمنية واجتماعية واقتصاديّة. لو قامت الحكومة مثلا بزيادة أسعار المحروقات في الوقت الراهن أو بفرض رسوم وضرائب جديدة، فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي نسبي على إيرادات سريعة ستتوفر للخزينة جراء هذا القرار، لكن العجز لن يختفي وستزداد النقمة في الشّارع. لا بل إن البعض يرى أن ما ستكسبه الموازنة من زيادة الأسعار والضرائب ستخسر أضعافه فيما إذا تطور الاحتقان الشعبي إلى مظاهرات واعتصامات وبدأت وسائل الإعلام بتسليط الضوء على هذه الاحتجاجات وبث مشاهدات للعالم وحينها ستشبه الأحداث في الأردن بما يحدث في الجوار. حينها سيكون لهذا المشهد تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطنيّ في عدة مجالات، فالسياحة التي كانت تنمو بشكل إيجابي قبل كورونا ستكون معرضة للاستمرارية في اتجاهات نموّها السلبيّ حتى ما بعد كورونا، لأن الاستقرار السياسيّ والأمني عاملان رئيسان للحفاظ على القطاع السياحيّ. حوالات المغتربين هي الأخرى مرشحة للتراجع بعد أن انخفضت العام الماضي بنسبة 8 %، وفي حال زعزعة الاستقرار السياسيّ في الأردن سيكون الأمر مرشحا للاستمرار بالتراجع، حيث سيبحث الأردنيون في الخارج عن مواطن آمنة لمدخراتهم في بلدان لا تشوبها الاضطرابات. أما عن بيئة الاستثمار فهي أصلا معطلة في الأردن نتيجة أسباب عدة منها ما هو إداري وتشريعي، إضافة إلى ضيق الفرص الاستثمارية في قطاعات واعدة لكنها مغلقة بسبب سياسات رسميّة مثل الاستثمار في البنوك والجامعات والمستشفيات، لذلك فإن استقطاب استثمار أجنبي للأردن ليس مرهونا بتعديل القانون بقدر ما هو مرتبط اليوم بتوفير مناخ سياسيّ مستقر. أي قرار رسميّ بزيادة الأسعار أو الضرائب في هذا الوقت تحديدا هو انتحار اقتصاديّ وسياسيّ، وسيساهم سلبا في ضعف الإنفاق لدى الشريحة الأوسع في المجتمع، فهي تمثل أعباء جديدة على دخولهم التي لم تزدد أصلا لتغطي الاحتياجات الأساسية. الأردن اليوم يملك لأول مرة ميزة تنافسيّة حقيقية هي الاستقرار السياسي في منطقة مضطربة للغاية، وإذا ما أحسن تعظيم الاستفادة من هذه الميزة فإن قطاعات مهمة مثل السياحة والاستثمار وتدفق الأموال سيعوض بكثير ما تقوم الحكومة بدعمه للمحروقات. المطلوب المفاضلة بين استقرار النظام السياسيّ واستقرار الخزينة على المدى القصير، ويكون هذا من خلال اللجوء للسير في إصلاح إداري غير مكلف ماليّاً على الخزينة يدفع باتجاه تحسين بيئة الأعمال والاستثمار المحلية، من خلال إزالة التشوهات والاختلالات والعقبات التي تحيط بظلالها على المستثمرين ورجال الأعمال والحد من قدرتهم على التوسع أو حتى على الاستمرار، المهم أن نبدأ بالخطوة الأولى قبل أن يفوت الأوان.اضافة اعلان