إشكالية ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة

إشكالية ضعف المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن ليست موضوعا حقوقيا ينطوي على تمييز ضد النساء اللاتي يشكلن نصف المجتمع فحسب، بل يتعداه لينعكس خسائر اقتصادية يتكبدها الاقتصاد الوطني لسبب بسيط يتمثل في حرمان الاقتصاد الوطني من طاقات وقدرات إنتاجية متوفرة.اضافة اعلان
للأسف، وبالرغم من كل الجهود التي بذلت في الأردن خلال العقود الماضية لتمكين النساء من أجل الانخراط في سوق العمل كعاملات أو كصاحبات أعمال أو يعملن لحسابهن الخاص، إلا أن النتائج كانت أقل كثيرا مما هو متوقع؛ إذ بلغت نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن 13.2 بالمائة، حسب آخر مؤشرات إحصائية أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة في الربع الثالث من العام 2019، وهي عند النسبة ذاتها منذ ما يقارب ثلاثة عقود.
لا نبالغ إن قلنا إن إحدى أهم المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الأردني تتمثل في الضعف الشديد للمشاركة الاقتصادية للمرأة، الأمر الذي يشكل ضغوطا إضافية على الاقتصاد الأردني ويحرمه من قدرات وطاقات إنتاجية كامنة وغير مستثمرة، خاصة إذا ما علمنا أن نسبة انتظام الإناث في التعليم في الأردن أعلى من الذكور وفي مختلف المراحل التعليمية، وإن غالبية المتفوقين في مختلف مراحل التعليم في الأردن أيضا من الإناث.
لقد تم تطوير العديد من الاستراتيجيات والسياسات خلال العقود الماضية من قبل مؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع مدني لتعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية في الأردن، إلا أن تنفيذها اصطدم بعدم توفر فرص عمل كافية من جهة، وضعف شروط العمل لغالبية الوظائف المتوفرة من جهة أخرى، والناجمة بشكل أساسي عن ضعف سياسات العمل التي يتم تطويرها وتنفيذها منذ عقود.
لا يقتصر تأثير ضعف المشاركة الاقتصادية على الاقتصاد الكلي فحسب، بل يمتد الى الضغط على الاقتصاد الأسري؛ اذ يزيد من معدلات الإعالة في المجتمع الأردني، والذي وصل الى أن كل مواطن يعيل 4.3 آخرين تقريبا بمن فيهم نفسه، وهذه النسبة تعد من النسب المرتفعة جدا في العالم، وهذا يعود بشكل أساسي الى أن معدل المشاركة الاقتصادية الخام لمجمل الأردنيين خلال الربع الثالث من العام 2019 بلغ 23.1 بالمائة.
إن ضعف شروط العمل وفجوة العمل اللائق التي يعاني منها غالبية العاملين في الأردن، وعلى وجه الخصوص النساء، ليس قدرا، بل هو نتاج لسياسات حكومية طبقت وما تزال تطبق في الأردن، لا بل إن هنالك إصرارا حكوميا على إضعاف شروط العمل بحجج عديدة، لعل أهمها ما يطلق عليه "تحفيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار"، والنتيجة كانت تراجع الاقتصاد وتراجع شروط العمل.
يضاف الى ذلك، فإن سياسات العمل الحكومية ما تزال تشجع النساء على العمل في القطاع العام، بسبب شروط العمل الأفضل التي يوفرها هذا القطاع مقارنة مع القطاع الخاص، وهذا يفسر أن ثلثي العاملات في الاقتصاد المنظم في الأردن يعملن في القطاع العام.
مراجعة سريعة لسياسات العمل التي تم إصدارها وتنفيذها خلال العام الماضي كفيلة بإفشال أي استراتيجيات لتعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية، بدءا من تعديلات قانون العمل التي تمت في بداية العام 2019، مرورا بتأجيل تطبيق الحد الأدنى للأجور الجديد وانتهاء بتعديلات قانون الضمان الاجتماعي الصيف الماضي، والتي يوحي بعضها شكليا بتحسين بيئة العمل للنساء، الا أنها أضعفت شروط العمل بشكل عام، ومن المتوقع أن تعزف الشابات أكثر فأكثر عن الانخراط في سوق العمل في ظل تفاقم فجوة العمل اللائق.