إشكاليتنا الأبرز "وهم السّلطة والصّراع على النّفوذ"

سيف زياد الجنيدي

أردنيّاً، نُعاني على صعيد مُمارسة الحقوق والحرّيات من إشكالية ذهنيّة مُستندة إلى وهم السّلطة سواءً أكانت عشائريّة أو مناطقيّة أو مبنيّة على مُغالطة في فهم مبدأ سموّ الإرادة الشعبيّة، ما يؤدي إلى فردنة الحقوق وإخراجها من إطارها الاجتماعيّ التنظيميّ، واعتبارها تحديا مع السّلطة السياسيّة، وليس سبيلاً لبناء مجتمع ديمقراطيّ، وتعزيز شرعية النّظام السياسيّ الحداثيّ الذي يجمع مصادر الشرعية كافةً التي أشار إليها الدكتور سعد الدّين إبراهيم في بحثه بعنوان «مصادر الشرعية في أنظمة الحُكم العربيّة»، وكأن لسان حال المُمارس للحقّ يُنكر الطبيعة الاجتماعيّة للإنسان!
أمّا مفهوم المُواطنيّة اليوم، فيقتصر على التّذمر والمُناكفة بحجّة ذرائع حقوقيّة، وربّما يكون العامل الرّئيس لهذا طغيان الجهويّة والمناطقيّة على حساب معيار الكفاءة والنّزاهة، والاختباء خلف ستار الشرعية لتحقيق مآرب شخصيّة مسمومة، وغياب المسؤولية الفاعلة، وشخصنة العمل العام، لكن كلّ هذا لن يطمس الحقيقة الثّابتة لمفهوم المواطنية الفاعلة.
يُعاني العمل العام ما يُعانيه من اختلالاتٍ بنيويّةٍ سببها أخلاقيّ وثقافيّ في المقام الأولى، فالمُطّلع على واقع القطاع العام يرصد لهفة البحث الدؤوب عن مُسمّيات وظيفيّة برّاقة، وامتيازات السّلطة بمن واجبه الأساس تقديم الخدمات العامّة وضمان حُسن سير المرافق العامّة بصورة تضمن تحقيق التّنمية بأبعادها الاستراتيجيّة.
إشكالية «وهم السّلطة والصّراع على النّفوذ» لم تكن مسألة مُرتبطة بالأفراد وحدهم، بل امتدّت جذورها إلى السّلطتين الدستوريتيّن: التشريعيّة والتنفيذيّة عبر عشرات السّنين، وما نتج عن هذا من تشويهٍ لعلاقة التّعاون بين هاتين السّلطتين، والابتعاد بالصّلاحيات عن جوهرها، وغياب السّعي الجادّ نحو تحقيق مُقتضيات العدالة باتّجاه سُلطة النّفوذ على حساب سُلطة المبادئ والمعايير الحقوقيّة.
يكمن الشّاهد الأبرز على هذا الصّراع في قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور التي لطالما أشغلت في رسم الحدود الفاصلة بين صلاحيات مجلس النّواب وصلاحيات الحكومة وإخراجهما من هذا النّفق المُظلم، ومن بعده المحكمة الدستوريّة التي حسمت بموجب العديد من قراراتها خلافاتٍ عميقةٍ بين هاتين السّلطتين، وعلى وجه الخصوص قرارها التفسيريّ رقم (2) لسنة 2019 الذي حسم الصّراع حول مدى إلزامية عرض اتفاقية الغاز على مجلس الأمّة.
أزمتنا الأعمق اليوم في الأردن ليست أزمة سياسيّة أو اقتصاديّة، وإنّما أزمة فِكر مُجتمعيّ يُناقض مفهوم المُواطنية الفاعلة، هذه الأزمة التي تقف حائلاً أمام بناء دولة الحقّ، وتعميق القِيم الفُضلى والمبادئ الحقوقيّة والنّهوض بها!

اضافة اعلان