إصلاح التعليم.. استحياء حكومي

إذا ما أرادت أي دولة تحقيق نهضة ونمو اقتصادي، وبالتالي تنمية المجتمع كله، عليها الاهتمام وبشكل جدي، بقطاع التعليم، وتوجيه كل الدعم له وزيادة المخصصات المالية له.. وهذا ما ركز عليه، رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، الذي يُعتبر من أعظم القادة السياسيين والاقتصاديين في العالم، إذ استطاع أن ينقل بلاده من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة، خلال فترة لا تتجاوز الـ22 عامًا.اضافة اعلان
ثلاثة محاور ركز عليها الرئيس مهاتير، الذي تولى رئاسة وزراء ماليزيا العام 1981، هي وحدة البلاد، والاهتمام بالتعليم، والتصنيع، استطاع من خلالها القضاء على الفقر، حيث كان ما يقرب من 25 بالمائة من سكان ماليزيا تحت خط الفقر، ورفع متوسط دخل الفرد السنوي من 1500 دولار أميركي إلى نحو 11 ألف دولار، فضلًا عن جعل دولته متقدمة صناعيًا.
مناسبة هذه الكلمات، هو ما تمخض عن الخطة التحفيزية الاقتصادية الرابعة، التي أطلقتها الحكومة، مؤخرًا، واشتملت على "جبن" أو "خجل"، فيما يتعلق بأهم ثلاثة قطاعات لأي دولة، وهي: التعليم والصحة والنقل.
إن النهضة التعليمية لها أهمية كبرى في تنمية المعاني الوطنية وتعزيز روح الانتماء للوطن.. وللأسف لم نر بخطة الحكومة تلك أي بوادر لخريطة طريق تعمل على مثل ذلك، كما لم تتطرق إلى التعليم التقني والمهني، الذي أصبح ضروريًا في مثل هذا الوقت.
كان الأولى بالحكومة، إذا ما كانت صادقة أو لديها بُعد نظر، أن تركز على قطاع التعليم بشكل أساسي، وتزيد من مقدار الميزانية المخصصة له، إذ يتوجب التركيز على إنشاء المدارس، ولجميع المراحل التدريسية من الروضة والأساسية (الإلزامية) والثانوية، تكون مجهزة بأحدث التجهيزات والمختبرات التي تواكب العصر الحديث وثورته التكنولوجية.
كما كان يتوجب على الحكومة أيضًا تخصيص موازنة خاصة لإنشاء معاهد تدريب مهني، تستوعب طلبة المدارس، وتؤهلهم لدخول سوق العمل.
خطة الحكومة التحفيزية بشأن التعليم، لم تأت بما هو جديد، بل مرت على "استحياء" على خطط موضوعة منذ أعوام، فهي، أي الحكومة، لم تجهد نفسها، بطرح خطط قابلة للتنفيذ أو حتى اقتراحات لمشاكل: اكتظاظ الغرف الصفية، وافتقار الكثير من المدارس لبيئة تعليمية سليمة آمنة، وتأمين وسائل تدفئة للطلبة داخل الصفوف… كما أنها لم تتضمن تشجيع الطلبة على الالتحاق ببرامج التعليم المهني، ناهيك عن تطوير المناهج الدراسية.
ولم تتطرق أيضًا، لا من قريب أو بعيد، إلى موضوع زيادة مخصصات دعم البحث العلمي، وإدخال الكمبيوتر والربط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة، أو حتى إنشاء مدارس للمتفوقين بالدراسة والعمل على توجيههم إلى تخصصات بعينها تعود بالنفع عليهم وعلى الوطن ككل.
وبـ"استحياء" ذكر وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، خلال إطلاق "الخطة"، أن الوزارة ستعمل على بناء 60 مدرسة العام المقبل.. رغم أن هذا الأمر ليس بجديد، فقد ذكره وأكده وزراء من قبله "تناوبوا" على حقيبة وزارة التربية. كما مر سريعًا، وبلا توضيح، على موضوع "إلزامية" المستوى الثاني من رياض الاطفال.. وهذا الأمر أيضًا ليس بجديد، حيث كانت إحدى توصيات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية للأعوام 2016-2025.
ورغم أن الاستثمار المبكر بـ"رياض الأطفال، يحقق عوائد استثمار مستقبلًا، على الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الوزير النعيمي، لم يشرح لنا بشكل واف كيف سيستطيع تأمين أماكن لرياض الأطفال، خلال العام الدراسي المقبل، لأكثر من 85 ألف طفل.
جل الموضوع يتركز في أمر مهم جدا، هو زيادة المخصصات المالية للتعليم، بمعنى زيادة النفقات الحكومية على قطاع التعليم بشكل عام.. فما يضير الحكومة لو أنها قدمت منحا أكثر وقروضا أكثر للطلبة بشكل عام؟.
نخشى أن تُساهم الحكومة، بطريقة أو أخرى، عمدًا أو من غير عمد، على دعم نظرية كثير من الأهل والطلبة بأن التعليم أصبح مجرد وجاهة اجتماعية.