إصلاح التعليم العالي

أصدر مجلس التعليم العالي قوائم مجالس أمناء الجامعات الخاصة. وليس لدي ملاحظات عليها، فأنا لا أعرف معايير تشكيلها، وكيف يتخذ القرار، وهل مجلس التعليم العالي حر في أن يشكل المجالس كما يشاء، وما سلطة أصحاب الجامعة المالكين لها، وما سلطة مجلس الأمناء.اضافة اعلان
أشهر الجامعات الأميركية ليست قطاعا عاما ولا خاصا، بل وقف أهلي يتغذى من الأصول التي يملكها الوقف، ومن التبرعات والهبات، إلى جانب مردود الجامعة نفسه من الأقساط والخدمات والشراكات العلمية مع القطاع الخاص. لكن الجامعات الخاصة عندنا هي قطاع ربحي بمعنى الكلمة، وما تزال دون مستوى الجامعات الرسمية. وهي مستودع للمعدلات المتدنية التي لا تحصل على القبول في الجامعات الرسمية.
هذا جانب فرعي من الإشكالات الكبيرة التي تواجه التعليم العالي، والذي ينتظر إصلاحا جوهريا تُعقد من أجله ورش العمل والندوات والمؤتمرات منذ سنوات، بينما لا نتقدم بوصة واحدة على الأرض. وكم تحدثنا عن ربط التعليم بسوق العمل، وجعله أكثر عملية واستجابة للاحتياجات الفعلية للعمل والتنمية، لكن شيئا على الأرض لم يتغير.
هناك ضغوط هائلة، وعدد الذاهبين للتعليم العالي يفوق بأضعاف الحاجة الفعلية للسوق. ويُنفق الكثير من المال بلا جدوى، لأن الكثير من التخصصات لا تعد بأي شيء للمستقبل. ويذهب آلاف الخريجين الى الجيش والمؤسسات الأمنية، ووظائف غير ذات صلة بتخصصهم، سوى أنها تلبي شرط "البكالوريوس". ولو فكرنا قليلا، فإن معظمها يحتاج إلى تأهيل تعليمي وإداري لا يزيد على عام أو اثنين. وبالنتيجة، فنحن أمام بطالة مقنعة، ينعدم فيها الإنتاج، ويزداد الإنفاق بلا جدوى. ونحن لا نتجرأ على إعادة نظر جذرية في هذا الواقع، ونخضع فقط للثقافة والعادات الجارية.
وقد كان هناك مشاريع لإصلاحات محدودة، تتعلق على الأقل بنظام القبول والمعدلات و"التوجيهي"، لكن لم تقدم عليها الحكومة حتى الآن. وعلى ما أرى، فليس هناك أي مشروع للتغيير في المدى المنظور؛ لا في امتحان "التوجيهي" ولا في نظام القبول.
حتى الاستثناءات التي تأخذ أكثر من نصف مقاعد الجامعات الرسمية، لم يتغير عليها شيء. وكان قد تقرر إلغاء قوائم الديوان الملكي التي لا تستند إلى أي أسس سوى الواسطة، وضم قوائم العشائر إلى المدارس الأقل حظا، والتي تقوم على الأقل على أسس محدد تنافسية ضمن المدارس المحددة بوصفها أقل حظا. ورأينا في ذلك خطوة أولية ممتازة، ستعقبها في السنوات اللاحقة خطوات. لكن ما الذي حصل هذا العام؟ حصل أن فوجئنا بأن قوائم العشائر -التي لا تعني عشائر ولا ما يحزنون، بل استثناء يصدر من دون أسس، ويشمل كل من يستطيع الوصول وضم اسمه إلى القوائم التي ترسل للجامعات التي تقبلها على علاتها- قد زادت أضعافا. وشكا لي رؤساء جامعات من أنهم اضطروا لاستقبال أعداد تزيد كثيرا على الحد الأقصى المقرر لهذا التخصص أو ذاك.
هكذا عدنا أميالا إلى الوراء. ولا أدري كيف ومتى تقرر مثل هذا الارتداد الذي يستجيب لضغوط ومصالح غير مشروعة وغير مبررة، ويطيح بمبادىء العدالة، ولو بحدها الأدنى؛ أي أن تكون الاستثناءات نفسها قائمة على أسس تكفل فرصا متكافئة لأبناء القطاع المعني، مع علمنا وقناعتنا بأن كل مبدأ الاستثناءات لم يعد ضروريا ولا مبررا، وأن الأسباب التنموية، جغرافيا وديمغرافيا، يمكن معالجتها بطرق أخرى.

[email protected]