إصلاح التعليم: حتى لا تضيع الفرصة

ربما لم تمر لحظة يتوفر فيها التوافق الوطني على الحاجة إلى إصلاح التعليم، بشقيه العام والعالي، ولا على مضامين وملامح هذا الإصلاح المطلوب، على نحو ما هي عليه الحال هذه الأيام. وهو ما عكسته بشكل واضح وثيقة "سياسات إصلاح التعليم" التي صدرت عن "المبادرة النيابية" والجامعة الأردنية، وتعد أول وثيقة وطنية شاملة تقدم رؤية متكاملة للمطلوب إصلاحه في التعليم العام وفي الجامعات. وذهبت الوثيقة نحو حزمة سياسات إجرائية فعلية ومباشرة، بعيدا عن الإنشاء السياسي والتنظير، والأدبيات التربوية التقليدية.اضافة اعلان
أهمية هذه الخطة تأتي من عدة مصادر. الأول، هو التوقيت الملائم. فقد وصلت أزمة التعليم ذروتها، وقد أشبعناها تحليلا وتشخيصا، وحان الوقت للحلول والعلاج. وأي تأخير سيعني كارثة بالمعني الحقيقي، لماذا؟ لأن صانع القرار والمؤسسة التعليمية، والمجتمع من خلفهما، سيدخلون في التطبيع مع الأزمة التي ستتحول، بكل ما تحمله من اختلالات وتشوهات، إلى نمط للممارسة، وتصبح هذه هي سمات المؤسسة التعليمية الأردنية المعتلة.
ثانيا، تأتي أهمية هذه الخطة من مضامينها التي قدمت مجموعة من السياسات الواقعية القابلة للتطبيق، بعيدا عن المغالاة في الحلول. وفي الوقت نفسه، اقترحت سياسات أخرى جريئة لا بد منها لإعادة بناء قدرات النظام التعليمي الأردني.
ثالثا، آلية إعداد الخطة التي شارك فيها أكبر عدد ممكن من الخبراء والنواب والسياسيين.
رابعا، أنها خطة تأتي من مجلس النواب، بمساندة من أعرق مؤسسة تعليمية أردنية. ما يعني تطورا كبيرا في آلية صنع السياسات، يحسب للمؤسسة البرلمانية والمؤسسة التعليمية والنخب الأردنية.
إصلاح التعليم هو المفتاح الحقيقي لإصلاح الدولة الأردنية وضمان مستقبلها،  بل وإنقاذها؛ في الاقتصاد والتنمية والسياسة والمجتمع ودور القانون. فبعد كل ما عشناه خلال آخر خمس سنوات على أقل تقدير، من أزمات طاحنة متتابعة، علينا أن نكف عن ترف الانتظار والتأجيل. فمعظم تلك الأزمات مصدرها التعليم، وبيت الأسرار في فهمها وعلاجها هو التعليم؛ من أزمتي الفقر والبطالة اللتين مصدرهما مؤسسة تعليمية معتلة، بدلا من أن تنتج المزيد من فرص العمل التي تراكم الأفكار والثروات، نراها تضخ المزيد من العاطلين عن العمل، والمزيد من المعالين، وبالتالي المزيد من الفقر والإفقار؛ مرورا بالأزمة المجتمعية بأبعادها القيمية والثقافية المتمثلة في العنف وتراجع الثقة العامة وانتشار قيم الانتهازية والفساد الصغير؛ وصولا إلى أزمة الدولة وتراجع قدرتها على تطوير الحلول لمشاكلها اليومية، نتيجة ضعف مواردها البشرية ونخبها.
حتى لا نبكي غدا على اللبن المسكوب، ونضيع هذه الفرصة كما أضعنا العديد من الفرص في السابق، حينما لم نوفر شاردة ولا واردة لكي نشوهها، بربطها مرة بمشاريع خارجية ومرة أخرى بأوهام داخلية؛ علينا أن نبدأ. فالسياسات التي تطرحها الخطة واضحة تماما، ولا تحتاج إلى أكثر من برنامج عمل تنفيذي لمدة ثلاث سنوات، لوضعها على المسار. وتحتاج هذه الخطة في المتوسط إلى نصف مليار دينار خلال هذه السنوات، يمكن توفيرها من برامج المنح، وعلى رأسها برنامج المنح الخليجية. فتخصيص 150 مليون دينار إضافية سنويا للتعليم، سيكون له مردوده أضعافا على الاقتصاد والأجيال المقبلة والمجتمع.

[email protected]

basimtweissi@