إصلاح القطاع الصحي

إجمالي الإنفاق على الصحة في الأردن لا يقل عن نسبة الإنفاق إلى الناتج الوطني الإجمالي في العديد من الدول المتقدمة. ولا نستطيع في الظروف الراهنة أن نطلب المزيد، فكيف يمكن تحسين الخدمة الصحية وتطويرها؟ الجواب في إصلاح القطاع الصحي العام وإعادة هيكلته، وإعادة توزيع الإنفاق وتقليص الهدر، والتعاون بطريقة فعالة مع القطاع الخاص.اضافة اعلان
طبعا هذا كلام عام لا يفيد شيئا. لكن كل مطّلع عن كثب على واقع القطاع يعرف ما هي المشاكل وما هي وجهات النظر التي يتم تداولها منذ سنوات، لكنها تدور وتدور من دون نتيجة، والوزراء المتعاقبون يغرقون في المشاكل والتحديات الفرعية ولا يُقدمون على خطوة نوعية واحدة.
مثلا، يستمر منذ سنوات الحديث عن مشروع التأمين الصحي الشامل من دون نتيجة؛ فيتم حل مشكلة غير المؤمنين عن طريق إعفاءات الديوان الملكي والحكومة التي تعيش عليها المستشفيات العامة غير الحكومية، مثل المستشفيات الجامعية، لتصل الكلف إلى 240 مليون دينار السنة الماضية، أي أكثر مما يكلف مشروع التأمين الشامل؛ فيعاد حل المشكلة بتقييد الإعفاءات لتقليص الإنفاق، لنعود إلى ضغوط الواسطة الماراثونية للفوز بإعفاء إلى غير مستشفيات الحكومة التي يتفاداها الجميع بسب تدني نوعية الخدمة وعدم توفر الكثير من الاختصاصات الدقيقة والأجهزة والعلاجات.
أول من أمس، كان قريب لي غير مؤمن يعاني نزفا دماغيا حادا في مستشفى المفرق الحكومي، وطلب أقربائي مني السعي إلى نقله إلى مستشفى الملك المؤسس في إربد، الأمر الذي لم يعد ممكنا. فنصحتهم بتحويله إلى مستشفى الزرقاء الحكومي الجديد، وقلت لهم أشياء طيبة عن المستشفى، ولحسن الحظ كان طبيب جراحة الأعصاب والدماغ متواجدا ضمن أيام دوامه على نظام شراء الخدمات. وقد ذهبت إلى المستشفى لأول مرة أمس، واكتشفت أنني لم أضلل أقاربي؛ فقد كان كل شيء يثلج الصدر حقا. وتحدثت مع مدير المستشفى واختصاصيين أصدقاء هناك، وتكلموا باعتزار عن المستشفى. لكننا تساءلنا معا ما إذا كانت الحال ضمن الواقع الذي نعرفه للقطاع الحكومي سينتهي بالمستشفى إلى حال بقية المستشفيات الحكومية؟! هذا مؤكد إذا لم يوضع تصور جديد لعمل المستشفيات الحكومية. وأحد التصورات المطروحة من زمن هو أن يصبح كل مستشفى مؤسسة مستقلة ماليا وإداريا تتبع وزارة الصحة، على غرار مستشفى الأمير حمزة، بل وأكثر قليلا؛ ربما على غرار مستشفى الملك المؤسس، وبنظام مستقل ومرن للوظائف، بما في ذلك أطباء الاختصاص. ولا أدعي أن هذا هو الاقتراح الوحيد الإصلاحي، لكن يجب تقديم تصور جديد، وعلى الأرجح يقوم على اللامركزية بديلا من الوضع الحالي الذي لم يجرؤ أي من الوزراء المتعاقبين على تغييره.
وفي موضوع التأمين الصحي، سمعت باستمرار عن دراسة قائمة لصيغة المشروع وكلفته التي يخاف منها الوزراء المتعاقبون. لكن هل درسنا نسبة الهدر والكلفة الزائدة في تأمين كبار المسؤولين والوزراء والأعيان والنواب الذين طمأنهم الناطق باسم الوزارة؟ أنا أجزم أنه لو تم تدفيع هؤلاء نسبة 20 % من الكلفة إذا تعالجوا في مستشفيات القطاع الخاص، فإن الكلفة ستنخفض بصورة هائلة؛ لأن المسؤول سيغدو حريصا على تدقيق الفاتورة وعدم تحميلها أي توسع غير ضروري أو وهمي في العلاج. بل أكثر من ذلك أعتقد أن نسبة -مهما كانت محدودة- يجب فرضها على المريض في المستشفيات والمراكز الحكومية، ومن قيمة الأدوية أيضا، لتقليل الهدر، ويمكن تحويلها إلى حوافز للأطباء لتحسين الأداء.
نحن نتحدث عن أمثلة محدودة، أو غيض من فيض الأفكار الجريئة والجذرية لإصلاح القطاع الصحي العام. ولا نفترض الاتفاق معها، لكن نفترض أن تحزم الحكومة أمرها وتضع مشروعا للتنفيذ.