إصلاح قانون الانتخاب الركيزة الأساسية للإصلاح السياسي

مواطن يدلي بصوته بالانتخابات النيابية بعمان بالانتخابات الماضية-(أرشيفية)
مواطن يدلي بصوته بالانتخابات النيابية بعمان بالانتخابات الماضية-(أرشيفية)

هديل غبّون

عمّان – توافق سياسيون ومراقبون على غياب خطة محددة لدى حكومة عمر الرزاز حتى الآن بخصوص ملف الإصلاح السياسي، رغم التصريحات التي ترددت مؤخرا على لسان وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة، بشأن "مساع حكومية لإجراء حوار وطني حول أولويات هذا الإصلاح"، وتحت عنوان إجراء تعديلات على قوانين الانتخاب والأحزاب واللامركزية. اضافة اعلان
ودعا هؤلاء في أحاديث لـ "الغد"، إلى "الانتقال من دائرة الوعود والتعهدات إلى حيز التنفيذ، والإعلان عن خطة محددة الملامح للإصلاح السياسي، تتضمن جدولا زمنيا معلوما، ومسارا منهجيا لفتح حوارات مع القطاعات المعنية بمحاور الاصلاح السياسي، بعيدا عن النهج العشوائي الذي اعتمدته الحكومة في نقاشات قانون ضريبة الدخل".
ورأوا أن الحكومة الحالية "تأخرت في تقديم خطة عمل واضحة للإصلاح السياسي، وأن ما يسجّل لغاية الآن لا يعدو خطاب نوايا"، بخاصة أن التعديلات على قانون اللامركزية النافذ أصبحت ملحّة، إلى جانب الرؤى الملكية التي تحدث عنها جلالة الملك عبد الله الثاني مرارا فيما يتعلق بتطوير الحياة الحزبية وخلق تيارات حزبية رئيسية داخل البرلمان قادرة على تشكيل حكومة برلمانية.
الوزير الأسبق مروان المعشر يرى أن "مقوّمات الإصلاح السياسي غير متوفرة لدى حكومة الرزاز حتى اللحظة، رغم المواصفات الإيجابية" لشخص الرئيس، معتقدا أنه لا توجد "كتلة حرجة في الفريق الوزاري أو فريق للإصلاح السياسي".
 وقال المعشر، وهو مؤسس حزب التحالف المدني (تحت التأسيس)، إن الاصلاح السياسي "لا يتحقق إلا من خلال الإعلان أولا عن خطة عمل محددة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية" تقوم على إعادة التوازن بين السلطات وضمان عدم سيطرة السلطة التنفيذية على مفاصل القرار، وتعزيز دور السلطة التشريعية في القيام بدورها التشريعي والرقابي بموجب الصلاحيات الدستورية لها"، لافتا الى أن أي خطة إصلاح سياسية لا تشتمل على هذا المبدأ الاساسي "ستندرج في باب الاصلاح التجميلي".
ويعتبر إصلاح قانون الانتخاب الركيزة الأساسية لأي مسار إصلاح سياسي، وفقا للمعشر، قائلا، إن "تطوير الحياة الحزبية لايزال متعثرا، فيما الحاجة ملحة لأن يضم البرلمان كتلا حزبية برامجية وازنة، وهذا يتطلب إصلاح الإطار التشريعي لها".
وأضاف، "بالأساس نحن بحاجة إلى مصلحين ولدي تساؤلات حول حقيقة وجود كتلة حرجة بالفعل داخل الحكومة لتبني ملف الإصلاح السياسي، تجاهد وتعمل من أجله، لا نريد تكرار مقولة أننا بحاجة إلى إصلاح متدرج، الأهم أن تكون الحكومة قادرة على إقناع الشارع والمواطن أن هناك كتلة حرجة تقود الإصلاح السياسي وأنها قادرة على تخطي الصعوبات".
 وفيما يشكل تمكين الأحزاب من الوصول إلى البرلمان هاجس الأوساط السياسية، يرى المعشر أن "من السهل إحداث توافقات في هذا الشأن بين القطاعات المعنية على كيفية إقرار آلية لوصول الأحزاب، وإن تطلب الأمر إجراء تعديلات دستورية لتخصيص قائمة للأحزاب".
وقال "لم نجرب النظام الحزبي في قانون الانتخاب، والحديث أن من المبكر أن تشكل الأحزاب حكومات برلمانية هو طرح ليس واقعيا، فلماذا تمكنت تونس التي كانت دولة بوليسية ولم يكن فيها أي حزب خلال نحو 8 أشهر أن تطور الحياة الحزبية بمشاركة 116 حزبا في الانتخابات حتى تغربلت واستقرت على 8-9 احزاب؟"، موضحا ان إقرار بيئة حاضنة للأحزاب بدعم رسمي من الدولة وتشجيعها أفضى إلى ذلك.. الانتخابات بحد ذاتها هي معيار الغربلة".
وشدد المعشر على ضرورة إيلاء محاربة الفساد أولوية لدى الحكومة في الاصلاح السياسي، وتفعيل منظومة القوانين والتشريعات، وآليات محاسبة المسؤولين عن مصادر ثرواتهم، موضحا بهذا الخصوص "لا بد من الكشف العلني وليس في مظاريف مغلقة عن ثروات المسؤولين وتعزيز مبدأ من أين لك هذا؟".
وكانت مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات اللامركزية والبلدية مبعثرة عام 2017، وفقا لتقرير المركز الوطني لحقوق الانسان، حيث شارك في الانتخابات 33 حزبا من أصل 47، واعتبر التقرير أن وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب هو أحد "العوائق الاساسية أمام تمثيل اكثر مصداقية للمشهد السياسي، وأن العدد الكبير "يعني توزيع القوى السياسية بين الأحزاب وعدم إمكانية التنسيق فيما بينها"، بحسب وصف التقرير.
من جهتها، رأت الأمين العام الأول لحزب الشعب الديمقراطي "حشد" عبلة أبو علبة، أن اتجاهات الإصلاح السياسي للمرحلة المقبلة لا بد أن تنتقل من دائرة التعهدات والالتزامات والتصريحات إلى دائرة التنفيذ، قائلة "حتى الآن لم نسمع عن أي دعوة للحوار حول الإصلاح السياسي ومنظومة التشريعات الناظمة للحياة السياسية".
وتوافقت أبو علبة مع آخرين باعتبار أن إصلاح قانون الانتخاب هو الركن الأساس للإصلاح جنبا إلى جنب مع تطوير الحياة الحزبية باتجاهات "أكثر ديمقراطية وتمثيلية واسعة"، مؤكدة "من هنا يبدأ الاصلاح، ومن شأن هذا أن يفضي إلى فكفكة الأزمات العامة في البلاد. لم نسمع من الحكومة سوى تصريحات بأن هناك تعديلات ضرورية على هذه القوانين، ولم يطلق حوار حقيقي لها".
وشددت أبوعلبة وهي برلمانية سابقة، على أن "الإصلاح السياسي والاقتصادي متلازمان ولا يمكن أن يتحقق أحدهما دون الآخر"، مضيفة، "لقد جربنا ذلك في التاريخ الوطني كثيرا منذ العام 1989 دون أن تكون هناك قاعدة تشريعية للإصلاح تتوفر على عناصر العدالة والتمثيل الواسع وإعطاء فرص للأحزاب السياسية من أجل أن تقدم برامجها وكوادرها للمجتمع الأردني".
وأكدت أنه بدون برلمان قائم على كتل سياسية لها برامج محددة تخاطب الشعب بها وتتصارع سلميا في إطار البرلمان، فـ "من الصعب جدا أن يتحقق الاصلاح الاقتصادي والسياسية والثقافي والاجتماعي"، رائية ان "مدخل الاصلاح هو الهيئة التشريعية وقوام هذا الاصلاح قانون انتخاب يحترم التعددية ويعطي فرصا للأحزاب كي تتمثل".
 وفيما يتعلق بتمثيل الأحزاب من خلال قوائم باسمها، قالت أبو علبة، إن هناك عدة أطروحات تساعد على وصول الأحزاب وتمثيلها في البرلمان، وليس القوائم الحزبية، بل القوائم الوطنية "تقودها أو تبنيها الأحزاب بمشاركة العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية".
وأشارت الى أنه "عادة ما يكون الحديث عن الاصلاح السياسي توجها عاما لدى الحكومة من خلال رئيس الحكومة الذي يقرر السياسات إلى حدود كبيرة جدا.. هكذا اعتدنا أن نفكر، ربما الآخرون ينفذون السياسات، لكن طالما أن الحكومة مشكلة وليست منتخبة، فمن الصعب القول أن هناك فريقا سيحمل كذا وكذا، أنا لا أغامر بهذا التعبير".
 وبشأن وجود 47 حزبا سياسيا قائما، قالت أبو علبة، "في حال اعتماد نظام القائمة الوطنية المغلقة، يمنح الاحزاب فرصة لأن تختبر قدراتها في الشارع"، موضحة "سواء وصلت الأحزاب أم لم تصل الى الانتخابات، فإن صناديق الاقتراع هي الاختبار الحقيقي للأحزاب والتيارات الحزبية على حد سواء، كلمة السر هي قانون الانتخاب".
 وأشار تقرير أعده مركز راصد لتنمية المجتمع المدني في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي، إلى أن التزامات الرزاز التي أطلقها خلال 100 يوم من تشكيل حكومته، 2 % منها فقط يتعلق بالإصلاح السياسي.
وقال المدير التنفيذي للمركز عامر بني عامر، إن هناك متابعة حثيثة لتنفيذ تعهدات حكومة الرزاز، وكذلك التصريحات الصادرة عن وزير الشؤون السياسية موسى المعايطة بشأن الحوار الوطني للإصلاح السياسي.
ورأى بني عامر أن مرتكز أي إصلاح سياسي يقوم على "إطلاق حوار مؤسسي" وليس على شاكلة "لجنة الحوار الوطني أو الأجندة الوطنية"، لاعتبارات تتعلق بطبيعة التمثيل في هذه المبادرات.
 وأضاف، "نعتقد كراصد أن فكرة الحوار بناءة ومهمة جدا، لكن بمقومات حوار مختلفة عن السابق، وليس على شاكلة حوارات قانون الضريبة الذي لم يكن مبينا على توافقات مسبقة للقطاعات المعنية".
وشدد بني عامر على أن نجاح أي حوار وطني للإصلاح السياسي، لابد أن يعتمد على "خطة عمل واضحة أولا وبجدول زمني محدد بالتفاصيل لكل قانون من القوانين الثلاثة وبما يشمل القطاعات السياسية المختلفة، ودون ذلك سيكون الحوار "مضيعة للوقت"، على حد تعبيره.
 ورأى بني عامر أن الأهم في الاصلاح السياسي هو "توفر الإرادة السياسية وليس الفريق السياسي".