إصلاح ينقصه الطرف الأساسي

لا يبدو المجتمع شريكا حاضرا أو أساسيا في معظم، إن لم يكن جميع البرامج والمبادرات والنقاشات التي تدور لأجل الإصلاح. وبذلك، فإن المستهدف الأساسي في التأثير (أن يؤثر أو يتأثر)، غير موجود أو غير معني؛ الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية، والسياسات العامة، وإدارة وتقييم الخدمات العامة والموازنة والضرائب، وتخطيط المدن والمرافق، وتنظيم الأسواق والاستهلاك، والمؤتمرات والندوات، والنشر والإنتاج الفكري والفني، وأسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي، والكتب والدراما والمسرح والموسيقى والشعر والرواية...اضافة اعلان
والمؤسسات التي تستهدف الناخبين والمجتمعات والأفراد والفئات الاجتماعية المحددة، مثل المؤسسات الحكومية والجامعات والمدارس والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وجماعات المصالح والأعمال... تعمل في غياب الشريك والمستهدف الأساسي؛ المواطنون والناخبون والمستهلكون. وهم بذلك لا علاقة لهم بما يجري أو يقرر؛ ليسوا سوى متلق سلبي أو غائب، ممتنع عن الحضور أو المشاركة أو التأثير.
وهكذا، فإن كل ما يبذل اليوم في بلدنا لأجل الإصلاح، هو مثل عرس بلا عروسين؛ "فاردات" و"طخ" وأغاني وضيوف، وتهنئة وأضواء وفرق موسيقية ودبكات، ومستقبلون ومودعون، وكنافة ومناسف، وأحاديث ونقاشات وكلمات... وفي النهاية ينتهي الكرنفال بلا زواج!
وإذا لم يتحرك الناس أفرادا أو مدنا وبلدات، أو مستهلكين أو ناخبين أو فئات اجتماعية ومهنية واقتصادية، في اتجاه مصالحهم ومطالبهم، وعلى قدم المساواة في المسؤولية والمكاسب مع المنظمات والأحزاب والمؤسسات الحكومية والمبادرات، فإنه لا يمكن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الاصلاح. وإذا لم تكن القيادات والمبادرات الإصلاحية في موقع مناسب من المجتمع، تحركه وتتقدم به بما هو مجتمع نحو ما تعيه أو تدركه، فذلك مثل الرقص في العتمة، أو مثل المفرقعات الصوتية والألعاب النارية.
تحتاج القيادات الاجتماعية، سواء كانت شخصيات أم أحزابا أم منظمات اجتماعية أم مبادرات ومشروعات وبرامج، إلى أن تكون متقدمة على المجتمع في وعيه وسرعته وإيقاعه. ولكنها متقدمة بالقدر الذي لا تبتعد فيه كثيرا عن الناس أو تنعزل عنهم؛ وإنما تبقى في نقطة يدركها الناس بوضوح برغم المسافة بينهم وبين المبادرات. ولا حاجة بالطبع إلى القول إن القيادات والمبادرات التي لا تختلف في مستواها ووعيها ومحتواها عن المجتمعات والأفراد، لن تضيف شيئا وليست إصلاحية. أما إذا كان المجتمع متقدما عليها، فهي ضد الإصلاح والمجتمع.
ومع الاقرار بالدور الريادي والبناء لمنظمات مجتمع مدني، يظل صحيحا ايضا ان كثيرا مما يصنف ضمن هذه المنظمات، ليس سوى عمليات لامتصاص المعونات الدولية والتبرعات، أو هي "بزنس" فردي أو عائلي، فلا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بالعمل الاجتماعي ولا المجتمع، ولا يمكن تصنيفها في خانة المجتمعات مهما كان محتواها؛ هي لا تختلف عن مشروعات تجارية أو شخصية أو مجموعاتية، ولكنها في ذلك أيضا أسوأ بكثير من المشروعات التجارية، لأنها في واقع الحال لا تقدم سلعا أو منتجات أو خدمات يحتاجها السوق أو المجتمع، ولكنها تقدم محتوى طفيليا أو وهميا لا يصلح لشيء سوى تمرير الفواتير، وتبرير المساعدات أو الموارد المتاحة، والتي تكون في أحيان كثيرة تساوي ثلاثة أضعاف تكاليف المشروع.
والقيم الأساسية للمشاركة والولاية العامة للمواطنين والمجتمعات، والتي تدور أساسا حول تحسين الحياة، مثل العمل العام والخدمة والتطوع والمسؤولية الاجتماعية، تبدو معطلة في مقابل قيم أخرى فاعلة ونشطة لا تصلح للعمل العام والمجتمعي، مثل القيم الدينية والعشائرية أو الطموحات الشخصية أو الأغراض الفاسدة وغير المشروعة. فكثير من المتحمسين للعمل العام والمشاركة يضرون ولا ينفعون.
كيف تتحرك المجتمعات وفق القيم الأساسية للمشاركة؟ كيف يكون للمبادرات والمؤسسات قواعد اجتماعية حقيقية، وهيئات عمومية فاعلة تتجمع حولها وعلى أساسها؟ كيف تعكس القيادات الاجتماعية والمنظمات الاجتماعية مصالح المجتمعات وقيم المشاركة العامة؟