إضراب الطلبة والحلول الجذرية للتعليم الجامعي

أزمة الجامعة الأردنية (رفع الرسوم، وإضراب الطلبة المفتوح)، تكشف وصول أزمة التعليم الجامعي إلى طريق مسدودة. والمطلوب ليس التراجع عن قرار رفع الرسوم فحسب، بل أيضا إعادة نظر جذرية في شأن التعليم الجامعي. ولتكن البداية من "أم الجامعات" في الأردن.اضافة اعلان
"الأردنية" تشكو من العجز، والحكومة لن تقدم دعما أكبر للجامعات، فما العمل؟ ليس هناك من حلّ سوى الهروب إلى جيب المواطن برفع الرسوم. وهذا في الحقيقة يعني رفضا للإقرار بوجود أزمة بنيوية في التعليم الجامعي، ورفض النظر في معالجة جذرية لها.
أولا، العجز المالي ضمن معدل الرسوم الحالية ليس بالضرورة أن يعكس ارتفاع كلفة التعليم، بل ارتفاع الهدر بسبب قرارات غير صحيحة، مثل إنشاء جامعة العقبة، والإنفاق الإداري غير الضروري، والمبالغة في الأبنية، وفيضان الوظائف. والدليل أن جامعة العلوم والتكنولوجيا لا تعاني من عجز، مع أنها لا تتلقى فلسا من الحكومة. أي إن الرسوم الحالية يمكن أن تكون كافية بإدارة رشيدة.
ثانيا، فإن الطلبة، وخصوصا في البرنامج الموازي، لا ينفقون على أنفسهم فقط، بل ينفقون على نصف مقاعد الجامعة المخصصة للاستثناءات، وهي بالأصل حسب المعدلات يفترض أن تكون على "الموازي"، فأين العدالة في جعل طلبة "الموازي" ينفقون أكثر وأكثر على غيرهم؟
الأنكى بعد هذا وذاك، أن الرفع لن يغير في الحقيقة الحزينة بأن المستقبل هو للبطالة؛ أي إنك ستنفق أكثر ليس لتأمين مستقبل أفضل، بل من أجل النتيجة نفسها! ونحن نعلم أن التعليم الجامعي بات بنسبة لا تقل عن 50 % بطالة مقنعة مدفوعة الثمن، فهل نذهب ببساطة إلى رفع الرسوم العالية أصلا بدل حلّ هذه المشكلة الخطيرة؟!
الطلبة على حق في إضرابهم، بغض النظر عن احتمال وجود استثمار سياسي من بعض الأطراف فيه. ونعرف أن الظروف سيئة تماما للقيام بإضراب واعتصام مفتوح على مدار الساعة، وهذا يمكن استبداله بصيغة الإضراب اليومي لأوقات معينة، مع الحرص على عدم وجود اختراق لمشبوهين يريدون خلق مشكلة أمنية. إنما لا يجوز لمجلس أمناء الجامعة تجاهل الطلبة والدخول في كسر عظم معهم، بادّعاء وجود استثمار سياسي في الموضوع؛ فالمشكلة حقيقية. وشخصيا، أفكر منذ بعض الوقت بإثارة مشكلة الرسوم بصورة قوية مع الزملاء النواب، لأن الوضع أصبح فعلا لا يُحتمل، ويراجعني يوميا أولياء أمور لا يقدرون على تسديد أقساط أبنائهم، علما أن طلبة "الموازي" لا يستطيعون المنافسة على منح وقروض مهما كان وضعهم المادي سيئا، أو تحصيلهم العلمي جيدا.
الآن لنذهب إلى كلمة سواء. لو أن سياسة ترشيد قوية تم اتباعها، ولو أن الاستثناءات تم تقليصها، ولو أن الجامعة حصّلت كل الأقساط من الجهات التي تحصل على الاستثناءات، ولو تم تقليص عدد المقبولين سنويا وفتح فروع مهنية وفروع للانتساب ليتمكن كثيرون من العمل من دون خسارة فرصة التعليم الجامعي؛ ألن تكون الأقساط الحالية كافية وأكثر؟ ثم، وأخيرا، من قال إن الدولة يجوز أن لا تتحمل نسبة من كلفة التعليم الجامعي؟ ففي بلد كتونس، التعليم الجامعي كله مجاني، وفوق ذلك يأخذ الطلبة مصروف جيب!