إعادة بناء تحالف عبر أطلسي أفضل

مارك ليونارد* برلين- قوبل فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية بموجة من الارتياح في جميع أنحاء أوروبا، حيث كان العديد يخشى من أن تهدد ولاية ثانية لدونالد ترامب استمرار الاتحاد الأوروبي. ويقدم بايدن، على الأقل، إمكانية استعادة علاقة تقليدية عبر أطلسية. ويفترض الكثيرون أن الولايات المتحدة ستعود لقيادة النظام الدولي الليبرالي، حيث يضطلع الأوروبيون بدور داعم من خلال الدبلوماسية والقوة الناعمة. لقد عاد باتمان وروبن. ولكن هذه الرؤية سراب. إذ قبل ترامب ومبدأ “أميركا أولاً” بفترة طويلة، أدت سلسلة من الأزمات، بما في ذلك كارثة حرب العراق، والركود العظيم، وكوفيد 19- إلى استنفاد رغبة الولايات المتحدة في الاستمرار في العمل بصفتها شرطيا على مستوى العالم. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كانت القوى الأخرى، بما فيها الصين، وروسيا، وتركيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والعديد من الدول الأخرى- تملأ الفراغ الناجم عن تحول أميركا إلى سياسة الانغلاق. لقد اختطفت الصين وقوى أخرى الكثير من بنية الحوكمة العالمية، التي تنهار الآن تحت وطأة المنافسة بين القوى العظمى. وعلى الرغم من هذه التطورات الجيوسياسية، فإن بعض المؤيدين للتوجه الأطلسي الأوروبي كانوا مترددين في السعي وراء اعتماد أكبر على الذات خوفا من الإساءة إلى الولايات المتحدة، في حين تمنى آخرون سرا فوز ترامب على أساس أنه سيخلص أوروبا (خاصة ألمانيا) من كسلها في النهاية. ويعتقد مؤيدو ترامب في أوروبا أن هذه الأخيرة قد أحرزت تقدما نحو تأمين سيادتها على مدار السنوات الأربع الماضية أكثر مما أحرزته خلال المدة التي تولى فيها باراك أوباما، وجورج دبليو بوش، وبيل كلينتون الرئاسة. وبهذا المعنى، قد يكون ترامب- أحد دعاة كل ما يعارضه الأوروبيون- الأب العرضي للسيادة الأوروبية. ومن المفارقة أن السياسيين الأكثر دعما لتحالف عبر أطلسي قوي يجدون أنفسهم، يتسامحون مع النتائج التي يمكن أن تدمره. ولأن الولايات المتحدة كانت مهتمة بالحفاظ على تفوقها الاستراتيجي العالمي، كانت في يوم ما متناقضة بشأن الدفاع الأوروبي والاستقلال الاستراتيجي. ولكن مع تحول القوة باتجاه الشرق، كانت الحكومات الأميركية التي تولت الرئاسة بعد ذلك حريصة على تكريس أكبر قدر ممكن من الاهتمام والمال والعضلات العسكرية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وآخر شيء تريده الولايات المتحدة هو الانجرار إلى المزيد من “الحروب الأبدية” في الشرق الأوسط، أو الحروب السياسية في أوروبا الشرقية والبلقان. وبناء على ذلك، لا يعترض المخططون الاستراتيجيون الأميركيون اليوم على وجود أوروبا أقوى تعتمد على نفسها، بل يعترضون على أوروبا الضعيفة التي تحول الموارد الأميركية النادرة عن مسار التنافس مع الصين. وتبحث الولايات المتحدة عن شريك، وليس مجموعة من الأطفال المحتاجين الذين لا يتحملون أي مسؤولية عن رفاهيتهم. وسترغب إدارة بايدن في العمل مع أوروبا التي تقدم الحلول وليس المزيد من المشاكل. ويدرك مؤيدو التعاون الأطلسي الذين يعتمدون وجهة نظر طويلة المدى أن المهمة الحاسمة الآن ليست استعادة العلاقة عبر الأطلسية؛ بل تغييرها. وقد لا يتفق الاتحاد الأوروبي الذي يحقق الاستقلال الاستراتيجي دائما مع الولايات المتحدة في قضايا مثل خصوصية البيانات، أو سياسة الطاقة، أو حتى التجارة العالمية. ولكنها ستدير هذه الاختلافات بطريقة عملية، بينما تقف دائما جنبا إلى جنب مع أميركا بشأن القضايا القائمة على القيم المهمة. وبدلا من انتظار إشارات من الرئيس الأميركي المقبل، يجب أن يعرف الأوروبيون بالفعل ما تتوقعه الولايات المتحدة، وأن يكون الطرفان مستعدين لتلبية رغبات بعضهما البعض. وفيما يتعلق بالصين والقضايا المتعلقة بـخدمات 5G، (الجيل الخامس) على سبيل المثال، لا يحتاج الأوروبيون إلى انتظار التعليمات من الولايات المتحدة: بل يجب أن يمهدوا بالفعل الطريق لنوع من الشراكة الشاملة عبر المحيط الأطلسي. وهناك حاجة إلى ترتيبات جديدة للتحايل على المقاومة الصينية للإصلاحات الجوهرية في هيكل التجارة الدولية، وللضغط على الصين للحد من ممارساتها المشوهة للسوق. كذلك، بالنسبة لروسيا، ينبغي على الأوروبيين أن يبتكروا بالفعل شراكة شرقية جديدة لجلب المساعدة الأمنية الأوروبية والأميركية إلى الخطوط الأمامية للصراع. وفيما يتعلق بتغير المناخ، تحتاج أوروبا إلى التحرك بسرعة لتطوير آلية ضبط حدود الكربون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وإلى زيادة الاستثمار في تحالف التكنولوجيا الخضراء لتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية. وفيما يتعلق بإيران، يمكن للأوروبيين توقع استئناف المفاوضات بشأن اتفاق نووي مجدد يهدف إلى تهدئة التوترات في جميع أنحاء المنطقة ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن أكبر تهديد للعلاقات الأطلسية ليس السيادة الأوروبية، بل التبعية الأوروبية. إذ أمضى ترامب السنوات الأربع الماضية في شد خيوط الانقسامات الداخلية في أوروبا. وإذا أراد بايدن إعادة اختراع القيادة الأميركية للقرن الحادي والعشرين، فسوف يحتاج إلى تشجيع أوروبا على أن تصبح معتمدة على نفسها. لقد وعد بايدن الأميركيين بأنه سيواصل الوحدة وسينهي “حقبة قاتمة من الشيطنة”. ويمكنه أن يفعل الشيء نفسه بالنسبة لأوروبا، ودون أي تكاليف على دافعي الضرائب الأميركيين، من خلال ممارسة ضغوط جديدة على الدول التي تقوض الوحدة الأوروبية من الداخل- وهي بولندا والمجر. ومنذ اليوم الأول، يجب على بايدن أن يوضح لحكومات هذه الدول أن الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر بروكسل. وهذا من شأنه أن يجعله بالفعل مدافعا عن السيادة الأوروبية بصورة أفضل مما كان عليه ترامب، وسيمثل خطوة كبيرة نحو تنفيذ استراتيجية أميركية كبرى جديدة. وهناك توازن قوي بين هذا النهج والمناقشات بشأن كوفيد 19. إن الأولوية القصوى لما بعد الجائحة ليست “إعادة بناء” الوضع الذي كان قائما في السابق، بل استغلال الأزمة لإصلاح الأشياء التي كنا نعلم بالفعل أنها تعرضت للضرر. ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch *يشغل مارك ليونارد منصب مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020. www.project-syndicate.orgاضافة اعلان