إعادة تعريف "الربيع العربي": هل تتغلب الفوضى على الثورة؟

متظاهر يستظل بالشعار الكبير لثورات الربيع العربي "العدالة" - (أرشيفية)
متظاهر يستظل بالشعار الكبير لثورات الربيع العربي "العدالة" - (أرشيفية)

رمزي بارود* – (ذا بالستاين كرونيكل) 23/5/2012

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

انتهى عصر الرومانسية الثورية. وأصبحت دول عربية مختلفة الآن في مواجهة الحقائق القاسية. إن الملايين من العرب يريدون العيش بشكل من أشكال الكرامة، أحراراً من الطغيان والقلق المستمر على مستقبلهم. ويشمل هذا الواقع غير الرومانسي أيضاً "لاعبين" خارجيين، من الذين لا يشكل وجودهم أيّ قيمة إيجابية لقيام حركات ثورية حقيقية، سواء في مصر أو سورية أو أي مكان آخر.اضافة اعلان
وبعد وقت قصير من الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي بعد حكمه الطويل على يد الثورة التونسية في كانون الأول (يناير) 2011، حذر البعض منا من أن الابتهاج الأولي يمكن أن يخلي مكانه في نهاية المطاف إلى تبسيط غير مفيد. ففجأة، بدا كل العرب متشابهين، ويقولون الشيء نفسه، ويُتوقع أن يكرروا عمل الآخرين الجماعي حرفياً.
ربما يستجوب مذيع في قناة الجزيرة ضيوفه حول السبب في أن بعض الدول العربية تنتفض، في حين تظل أخرى غارقة في النوم. وقد شغل السؤال عن السبب في أن الجزائر لم تثر الكثير من وسائل الإعلام الدولية. وكانت عبارة "لا ربيع عربياً للجزائريين المتجهين إلى صناديق الاقتراع"، عنواناً لبرنامج بثه راديو الولايات المتحدة الوطني العام (NPR) وقدمه كروسان أندريا يوم 10 أيار (مايو). وفيه جرت أكثر ما يكون مقارنة الانتخابات الجزائرية الأخيرة مع الوقائع الأكثر بعداً واختلافاً بكثير في دول أخرى، بدلاً من وضعها في سياق حالة الجزائر الخاصة الفريدة والملحة في ذاتها.
لماذا يجب أن تُناقش الجزائر في سياق تجربة اليمن، على سبيل المثال؟ أي نوع من الاستنتاجات نسعى إلى استخلاصه من ذلك بالضبط؟ هل نريد القول بأن بعض العرب شجعان، والبعض الآخر جبناء؟ هل يثور الناس بجهاز تحكم عن بعد، بناء على وصية مذيع أخبار فضولي؟ لقد ظلت الجزائر معروفة بأنها بلد المليون شهيد، بسبب تضحياتها التي لا تصدق في السعي من أجل التحرر في الأعوام ما بين 1954-1962. وثمة الآن ما يشبه الإجماع على أن الجزائريين ما يزالون تحت الصدمة بسبب الحرب الاهلية التي استمرت عشر سنوات، والتي بدأت في العام 1992. وكان ذبح الآلاف هناك قد لقي التأييد العلني من القوى الغربية التي كانت تخشى ظهور دولة إسلامية قريبة من شواطئها الجنوبية.
وفي حين تلقى الفلسطينيون صدمات شديدة في السنوات الأربع والستين التي تلت طردهم من فلسطين، فإنهم يظلون في حالة تدفق ثوري ثابت. كما لا يمكن التعبير عن الصدمة الحالية التي يعانيها الملايين من السوريين نتيجة لأعمال العنف بمجرد ذكر الأرقام أيضاً. وفوق ذلك، من المرجح أن يتصاعد العنف هناك ليتحول إلى حرب أهلية، والتي ستكون مدمرة كما كانت الحرب في لبنان، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي تحت رعاية طرف ثالث موثوق به.
من السهل أن يقع المرء ضحية للمقولات التقليدية، التي تشيع نظريات غريبة عن العرب وأنظمتهم. لكن المشكلة هي أن كل يوم يتمخض عن أحداث جديدة، والتي لا يمكن أن تندغم في مفهوم تعميمي مبسط مثل عبارة "الربيع العربي". وكانت الشاعرية التي يوحي بها هذا المصطلح مفيدة بالكاد عندما قُتل 74 شخصا وجرح مئات آخرون من مشجعي ناديين لكرة القدم المصرية الذين اشتبكوا في بور سعيد يوم 1 شباط (فبراير). وبدت تلك الأخبار المزعجة متعارضة مع احتجاجات ميدان التحرير قبل سنة واحدة. وقد قللت بعض وسائل الإعلام من شأن عمليات القتل حين وصفتها بأنها "مربكة" أو مجرد "سوء حظ". إنها لم تتناسب ببساطة مع تصورنا السينمائي تقريباً، والذي كنا نتمنى أن يتحقق من ثورة مصر "المثالية". لكن المصريين يفهمون جيداً جذور العنف، وقد فسروه ضمن سياقه المحلي. والحقيقة هي أن أعمال العنف العرضية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك كانت مصرية بشكل فريد، ومبررة تماماً في داخل العديد من الحركات التي كانت تسعى إلى استغلال ثورة.
إذا سارت الأمور وفقا للخطة، قد يكون لدى مصر أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تموز (يوليو). وفي حين أن البعض سيحتفلون بالصعود الرسمي لـ"مصر جديدة"، سوف يتحسر آخرون على وفاة الثورة ومنجزاتها المنشودة. لكنه لا يمكن أن تكون هناك ثورة كاملة وذات نتائج إيجابية توافق عليها جميع قطاعات المجتمع بالإجماع. ولا يعني هذا أن الثورة المصرية قد فشلت، فقد نجحت فعلياً في إشراك الأطراف الكثيرة الجديدة في الحياة السياسية للبلاد، بعد أن ظلت تسيطر عليها حكومة استبدادية لفترة طويلة. وقد عدل ميدان التحرير قواعد اللعبة جزئياً في الوقت الحالي، لكنه ربما يعدلها جذرياً في المستقبل.
كان جان بول سارتر يعتقد بأن المجتمع بحاجة إلى وضع نفسه في حالة دائمة من الثورة حتى تتجذر فيه الحرية وتزدهر. وكان دعمه لثورة الشباب الفرنسي في العام 1968 شهادة على إيمانه القوي بالحرية كمسعى جماعي. وكتب في العام 1968: "المهم هو أن الفعل قد حدث عندما اعتقد الجميع بأنه لا يمكن تصوره أو التفكير فيه. وإذا حدث هذه المرة، فإنه يمكن أن يحدث مرة أخرى".
وكتب أيمن الأمير في "الأهرام ويكلي" الأسبوعية: "ليس من غير المألوف أن تنقلب ثورة الجماهير على نفسها وتبدأ بالتغذي على ذاتها لحماية نفسها ضد ما تراه ثورة مضادة أو انشقاقاً داخلياً". بل إنه ذهب أيضاً إلى ادعاء أن "الربيع العربي قد أصبح وحشاً هائجاً، يلتهم أصدقاءه وأعداءه على حد سواء. وهو لم يصبح كذلك بسبب الخوف من ثورة مضادة بقدر ما هو بسبب رغبة فصيل واحد في قيادة الأمة في اتجاهه الخاص. ونتيجة لذلك، يتم عمداً تحريض بيئة من الفوضى، ويجري تعطيل التغيير الثوري أو إساءة توجيهه".
وهناك الكثير من الحقيقة في ذلك، لكن الأمير يقع هو أيضاً في مصيدة التعميم. إن سورية ليست مصر، وربما لا تعتقد امرأة تونسية بأن ثورة بلادها "تلتهم أصدقاءها وأعداءها". إن الربيع العربي يصبح مربكاً وغريباً فقط عندما نصر على تسميته "الربيع العربي". وسيكون الأمر أكثر إقناعاً عندما نفهمه ضمن سياقاته المحلية الخاصة. إن مصر تعاني من حالة اضطراب، ببساطة، لأنها تشهد عملية إعادة هيكلة لمجتمع كان قد شُكل ليلبي نزوات فئة صغيرة من الحكام الفاسدين. لكن سورية واقعة في تقاطع جغرافي- سياسي أكثر صعوبة وتعقيداً بكثير، حيث تقوم كل البلدان في جميع أنحاء المنطقة "بالاستثمار" في العنف لضمان أن تكون النتيجة مناسبة لمصالحها. ومع أن صلة الشعب السوري بالكفاح تظل قوية، لكنه، خلافاً لمصر، ليس الطرف المهيمن في المعادلة بعد الآن.
إن مصر ليست سورية، واليمن ليس البحرين. ومع ذلك، وفي حين أننا نحتاج إلى توخي الحذر من الخطابات التعميمية والاختزالية، فإن هذا لا يعني الحاجة إلى التبرؤ من التماهي الجماعي مع نضالات الشعوب الأخرى. وعلى العكس من ذلك، سوف يكون تحصيل فهم أفضل وأكثر حقيقة لما يحدث الآن في الدول العربية المختلفة، وكذلك الدول غير العربية، وسيلة أكثر ملاءمة لعرض التضامن مع الشعوب. وكان سارتر قد قال مرة: "إننا نريد الحرية من أجل الحرية في ذاتها، في وخلال ظروف معينة. وبإرادتنا الحرة على هذا النحو، فإننا نكتشف أنها تعتمد تماماً وكلية على حرية الآخرين، وأن حرية الآخرين تعتمد على حريتنا نحن". ومن هذه القيمة كنقطة انطلاق، يمكن للمرء الحديث عن اليمن، وسورية، ومصر، واليونان، ونعم، في نفس الجملة. أما أي تفسير آخر، فيعاني من نقص في أحسن الأحوال، ومن الشك في أسوئها.


*كاتب صحفي، ومحرر موقع الحكاية الفلسطينية "ذا بالستاين كرونيكل". كتابه الأخير هو "والدي كان مناضلا من أجل الحرية: قصة غزة لم ترو". (مطبعة بلوتو، لندن).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Redefining the 'Arab Spring': Is Chaos Overtaking Revolution?

[email protected]